هناك مقولة تهكمية محلية تقول (ما صديقنا إلا إنا) وذلك للتعبير عن كون الإنسان وصل إلى مستوى من اليأس في إمكانية وجود أصدقاء منصفين حقيقيين لدرجة أنه أصبح مقتنعا أنه لا وجود لصديق له إلا نفسه، وهي مقولة وإن كانت تستخدم كجزء من التهكم الرياضي والمبالغة الكلامية إلا أنها في حقيقة الأمر واقع حياتي معاش في هذا الزمن الذي زاد فيه الاختلاف والهوة بين أفرد المجتمع، الذين انقسموا بين من يقفون على اليمين والذين ستجدهم لا يقبلون أن يشاهدوا وهم قريبون ممن هم على اليسار، ومن هم على اليسار ستجدهم يعتقدون أنه من العار الوقوف بجانب هؤلاء.
في المجمل الصديق اليوم إن حللت مواصفاته ستجد أنه لا يتعدى شخصا ترتبط معه بمصالح ليس من الضروري أن تكون مادية ولكنها تبقى مصالح، قد تكون ترفيهية أو اجتماعية أو لمجرد أنه موجود في الجوار وأنت لا تحب الجلوس وحيدا، فكم ممن سموا أصدقاء هجروك عند أول مشكلة أو تحد واجهك، ليعودوا إليك متسللين كالأفاعي بعد أن زال الخطر ليدّعوا أنهم كانوا يدعون لك!
عندما استذكر مراحل الطفولة والشباب الأول، أتذكر دائما كيف أني كنت أفرق بين ذاك الذي كان يصنف صديقا ويريد شيئا وبين ذاك الذي كان يحرص على التواصل معي دون سبب، كنت أظن أن الأول "مصلحجي" والآخر صدوق، ولكن مع الأيام وجدت أن الفرق بين الاثنين لم يكن أكثر من ذاك المصلحجي المباشر وذاك المصلحجي المستتر، لأن الاختبار الحقيقي للصداقة في تقديري ليس في مقدار ما يريد منك ذاك أو ذاك بل هو في قدر استعداده على أن يسلك معك الطريق الوعر دون أن يتذمر أو أن يحملك جميلا.
كم من صديق فارق محيطك في اللحظة التي واجهك بها العالم وكأنك مصاب بالجرب، وكم من مدع تقرب منك مجددا بعد أن عدت بين أقرانك معافى تحمل على أكتافك نجوم السماء، هل كان قريبا ليحضنك لصدره غير مبال بجرب أصابك؟ وهل جاهر بقربك وحبك عندما استهجنك الجميع؟
لن أدعوكم لتجنبهم ولن أقول إنهم منافقون، هم بشر أصحاب مصالح يحبونكم ويهجرونكم بقدر ما تضيفون أو لا تضيفون لهم، ولكن النصيحة التي لا أجد المفر منها هي ألا تكونوا مثلهم منافقين، فإن أحببتم أحدهم فأحببوه حتى النهاية، وأما المتصادق المنافق ذاك فتحرر من مجاملته والحرص على شعوره، فهو باختصار شخص أوهمك أنك تستطيع الاعتماد عليه وخانك بلمح البصر.