في الآونة الأخيرة يلحظ المراقبون أن السياسة الخارجية السعودية تغيرت إلى حد كبير، وأصبح صوتها حاضرا في كل المحافل والمنابر العربية والإقليمية والعالمية، وانتقلت من سياسة الهدوء وضبط النفس، وأصبحت تدافع عن مصالح السعودية ومنطقة الخليج بلغة واضحة وثابتة وعالية، متجاوزة لغة التسامح التي جعلت البعض يحاول تهميش موقف ودور السعودية في المنطقة.
السياسة الخارجية لكل دولة حقيقة مبنية على مصالح شعبها وأمنها واستقرارها، وذلك ما تفعله المملكة بوضوح وثبات وتعقل، فموقفها من إيران ظل ثابتا دون تغيير، رغم المحاولات التي قامت وتقوم بها عدد من الدول، فزيارة وزير الخارجية الألماني فرانك والتر شتاينماير إلى الرياض لترطيب الأجواء لم تغير الموقف، فالمطلوب تغيير إيران لسياساتها ومواقفها وتعدياتها، والمساعي التي بذلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري أخيرا لم تغير شيئا، بل حرصت الرياض على حشد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي للاجتماع مع كيري وتوضيح موقف دول الخليج المساند والمؤازر للموقف السعودي من إيران وكل ما يجري في المنطقة، فإيران لا تزال مستمرة في مواقفها وسياساتها العدائية تجاه دول الخليج، وتواصل تدخلاتها في الدول الخليجية واليمن والعراق ولبنان وسورية، والأطماع الإيرانية في الخليج العربي لن تتوقف، ولن تهتم إيران بمحاولات بعض الدول الساعية إلى تحقيق السلام وتجنيب المنطقة شبح الحروب المستعرة في اليمن والعراق ولبنان.
رعاية المصالح أساس ومرتكز وأهداف كل حكومة ودولة، وفي مقدمتها أميركا التي لا تتوانى في رعاية مصالحها، أيا كانت هذه المصالح في محيط أميركا أو العالم، وذلك ما يجعل كيري يتحدث بلغة دبلوماسية ضعيفة لم ترق حتى إلى مستوى الإدانة الخجولة، عندما وصف موقف أميركا من إيران قائلا "الولايات المتحدة تبقى قلقلة إزاء بعض النشاطات التي تقوم بها إيران في المنطقة، خصوصا دعمها مجموعات إرهابية مثل حزب الله اللبناني، وبرنامجها للصواريخ الباليستية"، ذلك أن المفاوضات والمشاورات والتسويات التي تمت بخصوص البرنامج النووي الإيراني تجبر أميركا على رعاية مصالحها مع إيران وتمنعها من الإدانة الواضحة والصريحة لمواقفها وأنشطتها المعلنة والمستمرة، لذا من الطبيعي أن تتعنت دول مجلس التعاون في موقفها من إيران، وتبحث عن تأمين مصالحها وردع إيران حتى تكف عن ممارساتها وتدخلها في دول المنطقة، فالخطر الإيراني في المنطقة لا تخطئه العين، وسياساتها العدائية تفوح رائحتها من كل الاتجاهات.
السعودية ماضية بثبات فيما اتخذته من مواقف لردع إيران، إن كان في اليمن أو قطع العلاقات الدبلوماسية معها، ومحاصرتها وفضحها سياسيا في كل المحافل الدولية، وذلك حق طبيعي وموقف حتمي يفرضه واجب الحكومة السعودية تجاه شعبها وأمنه ومصالحه، وواجبها تجاه الدول الخليجية والإسلامية.
أما واشنطن ذات المواقف الضبابية فعليها أيضا أن تكف عن اللعب على الحبلين، وتستعيد جزءا من شجاعتها، وتكون صاحبة موقف واحد، أما التغني على وتر صداقة الرياض من جهة، وخدمة مصالح طهران من جهة أخرى فلم يعد يجدي نفعا مع المملكة الحديثة التي أوضحت مواقفها الصريحة بحزم وعزم لا يقبلان التخاذل أو التراجع على أساس مصلحة الوطن والمواطن دون تنازلات أو تراجع.