رغم فوز من يسمون بـ"المعتدلين" أو "الإصلاحيين" في الانتخابات الإيرانية الأخيرة، وحصولهم على غالبية المقاعد في مجلس الخبراء، إلا أن محللين سياسيين يقللون من قدرة البرلمان الجديد على إحداث تغيير سياسي واقتصادي ملموس، مشيرين إلى أن السلطة الفعلية في إيران تتركز في أيدي المرشد الأعلى ومؤسسة الحرس الثوري. فالمرشد هو الآمر والناهي والمسيطر على كافة خيوط عملية صنع القرار، ولا يكاد يمر قرار، مهما صغر شأنه دون موافقته وتعديلاته. كما أن مؤسسة الحرس الثوري - التي هي في الواقع معقل المتشددين – تتمتع بسلطات واسعة لا تمت بصلة إلى مهمتها الأساسية وطبيعتها كمؤسسة عسكرية منوط بها حفظ الأمن والدفاع عن البلاد، بل تتدخل في شؤون السياسة والاقتصاد وقضايا المجتمع، مستفيدة من الدعم غير المحدود الذي يوفره لها المرشد، وهو ما خولها توجيه انتقادات علنية حادة لرئيس البلاد ووزراء حكومته، في أكثر من مناسبة، لا سيما خلال المفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1)، دون أن تتعرض لأي محاسبة أو حتى لوم.
منع النواب من الترشح
يشير المحلل السياسي الإيراني، مهدي خلبجي، إلى أن توقيع الاتفاق النووي، بدلا من أن يؤدي إلى تقوية شوكة الإصلاحيين، فإنه عاد بتأثيرات سالبة عليهم، تمثلت في منع عشرات منهم من الترشح للانتخابات. ويقول في مقاله المنشور بصحيفة وول ستريت جورنال تحت عنوان "الفصائل المنصهرة والمؤسسات المتداعية في إيران": "توقيع الاتفاق النووي أدى إلى زيادة ملحوظة في الضغوط التي تمارَس على حكومة روحاني. وتجلت هذه الضغوط بشكل واضح عندما قام مجلس صيانة الدستور باستبعاد عدد من المرشحين المنسوبين إلى روحاني وإلى الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني، إذ منعهم حتى من الترشح للانتخابات، لأنهم لم يُظهروا ولاءهم المطلق للمرشد الأعلى، علي خامنئي. وتشمل هؤلاء الأغلبية الساحقة من المتقدمين للترشيح من حزب التنمية والاعتدال، التابع لروحاني".
مزاعم روحاني وضبابيته
كشف خليجي أن الاتفاق النووي تسبب في خلط أوراق المشهد السياسي، وأدى إلى حدوث انقسام واضح في صفوف المعسكر المحافظ أيضاً، ويُعزى ذلك بدرجة كبيرة إلى مواقف خامنئي الغامضة والملتبسة طوال عملية التفاوض. ويشير إلى أن روحاني – رغم ادعائه الاعتدال والرغبة في الإصلاح – فهو في ذات الوقت إحدى الأدوات المهمة التي يعتمد عليها خامنئي بشكل أساسي، وأضاف "روحاني نفسه أحد المهندسين الرئيسيين للعقائد الإيرانية القائمة منذ فترة طويلة، التي تم تطويرها في "المجلس الأعلى للأمن القومي"، وهي مؤسسة كلفه خامنئي بإنشائها وإدارتها عام 1989. وفي الواقع، كان روحاني ممثل المرشد الأعلى في المجلس حتى عام 2013. وبالمثل، تكاد لا تبرز أي خلافات جدية حول الأهداف الاقتصادية الأساسية للبلاد، ويعود ذلك جزئياً إلى أن خامنئي يزود الفروع الثلاثة للحكومة بالخطة الاقتصادية الكبيرة، ولا تشكل سياسة النظام حول الخصخصة والتجارة الدولية موضع خلاف، بل يكمن الخلاف الأساسي بين مختلف الجماعات حول كيفية تنفيذ هذه الأجندة والجهات التي يجب حماية مصالحها أولاً".
غياب الدور التشريعي
يؤكد مدير الأبحاث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، باتريك كلاوسون، أن التجارب أكدت أن الانتخابات البرلمانية لا تجلب في العادة أي تغيير في السياسات الإيرانية، وأن البرلمان نفسه ليس الجهة التي تصنع القرار، وقال "خلال الأعوام الثلاثين الماضية، تكررت الانتخابات ثلاث مرات، وفي كل مرة لقيت العملية الترحاب باعتبارها انتصاراً لرئيس يسعى إلى الإصلاح، ويخوّله على ما يبدو إجراء التغييرات التي يطمح إليها. ولكن في الحالتين السابقتين، أولهما الانتخابات البرلمانية التي أجريت في عهد الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني عام 1992 وثانيهما في عهد الرئيس محمد خاتمي عام 2000 - لم تكن النتيجة مبهرة، فقد واصلت طهران نزعتها السياسية المغامرة في الخارج وانتهاكاتها لحقوق الإنسان في الداخل. ففي مايو 1992، ومع انتهاء الجولة الحاسمة للانتخابات البرلمانية الإيرانية، وفوز التيار المؤيد للرئيس رفسنجاني، توقع الجميع أن تشهد إيران تغيرا في سياساتها، إلا أن ما حدث هو زيادة تنفيذ عمليات اغتيال ضد المنشقين في أوروبا، وإطلاق برنامج دورة الوقود النووي في إيران، بما في ذلك تخصيب اليورانيوم".
التراشق بتهم الفساد
اللافت في الفترة التي سبقت الانتخابات، هو التراشق باتهامات الفساد، وفي التاسع من الشهر الماضي، وجّه روحاني اتهاما لافتا للحرس الثوري بالتورط في عمليات فساد مالي، عبر دعم التهريب، مشيرا إلى أن ذلك يحبط جهود الحكومة في تعزيز الإنتاج المحلي، وقال في تصريحات صحفية "عندما تريد الشركات أن تنتج، يمكن لجهاز فاسد أن يستورد سلعاً مهربة من السوق السوداء، وبالتالي لا تستطيع الشركات أن تنمو". مما دعا النائب علي زكاني إلى الرد على روحاني، قائلا "الرئيس يركز على المحسوبية عوضاً عن المصالح الحقيقية للمواطنين وراحتهم. وبدلاً من تعقب الفساد والمؤسسات الفاسدة، يجب على رئيسنا أن ينظر إلى أخيه حسين فريدون وما يرتكبه من تجاوزات". كما وجَّه مناصرون للرئيس الإيراني اتهامات له بالنكوص عن وعوده التي قطعها بدعم الحريات، مشيرين إلى أن عدم الوفاء بالوعود المرتبطة بالقضايا الاجتماعية والسياسية وقضايا حقوق الإنسان زاد من ضعف روحاني. وما زالت حكومته تحاول تغيير التوقعات العامة بأن الاتفاق النووي سيكون له أثر جذري ومباشر وسريع على الظروف المعيشية اليومية.
تكرار التجارب الفاشلة
يشدد كلاوسون على أن البرلمان الذي انتخب في عهد الرئيس خاتمي لم يكن مختلفا عن سابقه، قائلا "لا نتائج الانتخابات ولا إعادة انتخاب خاتمي بغالبية ساحقة في عام 2001 غيّرت معادلة السلطة الأساسية لإيران. فالنظام القضائي والحرس الثوري، الواقعان تحت السيطرة المحكمة للمرشد الأعلى علي خامنئي كانا يقفان بطريق خاتمي في كل منعطف. وبالفعل، لم تمضِ أشهر حتى قامت إيران بإيواء زعماء تنظيم القاعدة، الذين كانوا قد هربوا من القوات الأميركية في أفغانستان، وصعّدت من أنشطتها النووية السرية في انتهاك لالتزاماتها بموجب معاهدة عدم الانتشار. وتَرافق ذلك مع تسارع وتيرة قمع المعارضة الداخلية، حيث قام القضاء بإغلاق أكثر من 20 دار نشر في غضون عشرة أسابيع، ليضع بذلك حداً لحرية الصحافة المحدودة التي كان خاتمي قد فتح المجال أمامها. وفي الوقت نفسه، فإن مجلس صيانة الدستور منع البرلمان من الإشراف على أنشطة الجيش ومختلف وسائل الإذاعة والتلفزيون التابعة للدولة ونظام المدّعين العامين والسجون القائم بموازاة النظام القضائي.