مدخل: ما معنى الجامعة؟
صفحة في كتاب التاريخ الحضاري تمتلئ بأسماء الأيام والبشر، تخرّج كل سنة، وتدرّس كل علم، لتدعم البشرية في رحلتها نحو الخلق، والفكر السليم.
كثيرا ما يرى الناس في الجامعة هدفا اقتصاديا، أو معنويا، وهي تعطي بغير منٍّ ولا أَذًى، ولكنها أقيمت للعلم، ولا تتناغم إلا مع شداة العلم، وطلاب المعرفة.
ويظن بعض المتابعين أن الجامعة ذات هدف علمي وحيد، وهو نقل المعرفة للطلاب، فيدخل الطالب جاهلا ليخرج منها وقد ازداد علما، أو أماط عن نفسه جهلا.
ولو تأملنا نقل المعرفة لوجدنا أن (القراءة) هي التي يمكن أن تكون ناقلا للمعرفة من شخص إلى شخص أو من جيل إلى جيل، ولكنها ناقل يحتاج لقارئ يطالع أوراق العلماء ليعرف ما في بُطُون كتبهم، ويستنير بما دار في عقولهم، فالكتاب ناقل والقارئ منقول إليه.
أما الجامعة فهي أكبر من ذلك بكثير، إنّ الجامعة بما امتازت به من خطط أكاديمية، وعلماء اجتمعوا في محيطها، مرحلة مهمة في حياة كل من دخل فيها، ومرحلة مهمة في تاريخ الجيل الذي مر بها، فالجامعة ميدان التدريب على صناعة المعرفة.
التدريب على صناعة المعرفة هو المفهوم الموافق لرسالة الجامعة في الحضارة، فليس مطلوبا من الجامعة تخريج العلماء - وإن كان هذا نجاحا كبيرا- ولكنها مؤسسة تيسر كل سبل التدرب على صناعة المعرفة.
يصرخ الطالب في الجامعة بأنه لا منهج معتمد للمقرر، بل كتب متعددة، وأحاديث الدكتور في المحاضرات، ولو التفت الطالب لمفهوم التدرب على صناعة المعرفة لعلم أنه يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
ويرى بعض المتابعين أنّ من واجبات الجامعة جمع المعرفة في ورقات لا تخرج عنها الأسئلة، ولا يلزم الطالب بما لم يلزم نفسه به، ولو علم المتابع الكريم بأن ميدان التدريب على صناعة المعرفة يحتاج لاستعداد نفسي، وإدراك معرفي بأنّ مرحلة الجامعة مقدمة للمعرفة التي سيصنعها المدرك لمفهوم الجامعة، تلك المؤسسة الأكاديمية المعنية بشؤون العلم والمعرفة وسبلهما المنهجية.
إنّ الجامعة أكبر من الدارسين والمدرسين فيها، وأكبر من كل مسؤوليها، وأكبر من الجيل الذي نشأت فيه، إنها حضارة عابرة للزمن وانظر للجامعات التي بلغت 100 سنة وأكثر لتعرف أنها نعمة الله التي يسرها للناس، وانظر لمئات العلماء الذين قضوا سنواتهم الأربع في شبابهم على مقاعد قاعاتها، وتزاحموا خلف العلماء الذين درسوا فيها، فبعد تدربهم على صناعة المعرفة صاروا رواد المعرفة، ونجوم العلم والتعليم.
إن بعض المستائين من الجامعات ربما لم يدركوا مفهومها الصناعي، وربما ظنوا أن مهمتهم الاطلاع على ما قال فلان في كتابه وكفى، وهنا تكون الجامعة كتابا ككل الكتب، والحقيقة أن الجامعة مرجع أولئك الطامحين لتحويل أسمائهم إلى نجوم في سجل الحضارة البشرية.
مخرج: الجامعة أكبر من الجيل الذي نشأت فيه.