الانتحال والسرقة، مفهومان مترادفان، ولكن الانتحال يكون أكثر وضوحا في المجالات الأدبية، والسرقة تتضح بشكل أكبر في المجالات العلمية، والتخصصات الصحية، ويمكن تعريفها بأنها السطو على نتاج علمي لشخص آخر دون مراعاة لحقوق الملكية الفكرية، وذلك نتيجة حتمية لغياب الأمانة العلمية، والنزاهة الأكاديمية، ولا يقتصر موضوع السرقات العلمية على المجتمع الأكاديمي في مؤسسات التعليم العالي، بل امتد ليصل إلى التعليم العام وبشكل كبير، ونظرا لانتشارها في مختلف المجتمعات لا يخلو أي مؤتمر من المؤتمرات المخصصة للبحث والنشر العلمي من مناقشة موضوع السرقات العلمية في أحد محاور هذه اللقاءات، بل هناك مؤتمرات تم تخصيصها لموضوع السرقات العلمية، إذ كانت أهدافها ومحاورها موجهة بشكل كامل لمناقشة قضايا، وأبعاد السرقات العلمية.
من المعروف أن السرقات العلمية ليست من المشكلات الحديثة، بل هي موجودة من قديم الزمن، وكانت أكثر وضوحا في مجال الأدب، والشعر في ذلك الوقت، وهناك كثير من المؤلفات التي تناولت هذه المشكلة من كل جوانبها، وهذا دليل على أنها مشكلة قديمة، ومستمرة، ولها تاريخ طويل.
وهناك كثير من العوامل التي أسهمت في ظهور واستمرار السرقات العلمية في مختلف المراحل التعليمية، من أهمها: توافر الشبكة العنكبوتية، وسهولة الوصول إلى محتوياتها، وتوجيه بعض معلمي التعليم العام للطلاب للبحث في الإنترنت عن مطويات، أو دراسات وتقديمها للمعلم دون أن يوضح لهم مفهوم حقوق الملكية، ومبادئ الأمانة العلمية، وأسس التوثيق العلمي السليم للأبحاث، وما يحدث في الغالب أن الطالب يأخذ ما يحتاج إليه من المواقع الإلكترونية كما هي، وينسبها إلى نفسه، ويقدمها لمعلمه، والطالب لا يدرك أن ما يقوم به عبارة عن سرقة علمية، وعندما يقبلها المعلم كما هي دون مناقشة الطالب فيما يقدمه، وكيف حصل عليه، ومدى مراعاته الأمانة العلمية وسلامة التوثيق، فالمعلم بذلك يشجع على السرقات العلمية، وقد يكون ذلك من دون معرفة، أو قصد.
كذلك أسهم التحاق عدد من أعضاء هيئة التدريس بالعمل في الكليات والجامعات غير المؤهلين، وغير المنتمين إلى المجال الأكاديمي ممن يحمل شهادات مضروبة أو مزورة، وإذا كانت شهاداتهم مسروقة، أو منجزة لهم بالوكالة فذلك يعد عربونا لسرقات علمية مستقبلية، فيما يتلو ذلك من أبحاث علمية ربما يقومون بجمعها، وترتيبها على أنها من إنجازهم، وفي حالة مطالبتهم طلابهم بعمل أبحاث مصغرة، أو مشروعات قصيرة، فإن متابعتهم لها من ناحية سلامة المنهجية العلمية في كتابة وتوثيق هذه التكليفات تكون غائبة، أو معدومة لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولا يتوقع منهم أن يوجهوا طلابهم بشكل علمي صحيح، وتوضيح الأبعاد السلبية، وما يترتب على السرقة العلمية، وأخذ إنجازات الغير دون وجه حق، ولا يقتصر الأمر على أصحاب الشهادات الوهمية، بل هناك بعض أعضاء هيئة التدريس الذين لا يؤمنون بالملكية الفكرية، ولا يدركون أسس ومنهجية البحث العلمي الصحيح، وسلامة التوثيق، والاهتمام بالجدة والأصالة فيما يقومون به من أبحاث، ودراسات، وهذه الفئة تنسب لنفسها ما أنجزه وقدمه الآخرون وتعمل على نشره باسمها، وبذلك تتجاهل المبادئ والأسس والأعراف والمنهج السليم في البحث العلمي.
كما أن التوسع غير المدروس في القبول ببرامج الدراسات العليا في الجامعات أدى إلى التحاق أعداد كبيرة من الطلاب بها يفوق قدرات وإمكانات هذه البرامج، ولا يمتلك كثير من الملتحقين بهذه البرامج الصفات الأكاديمية والشخصية في طالب الدراسات العليا؛ لأن الهدف الأساس من الالتحاق بهذه البرامج ليس العلم والتعلم، ولكن الهدف الأول والأخير هو الشهادة فقط، ويعاني الإشراف على رسائل هؤلاء الطلاب من مشكلات مختلفة نظرا لكثرة الأعداد لدى المشرف الواحد، مما يجعل متابعة هذه الرسائل في حده الأدنى إن لم توكل إلى جهات خارج الجامعة لمساعدة الطالب في كتابة الرسالة، أو كتابتها بالنيابة عنه، وهذه بيئة خصبة للسرقات العلمية والانتحال وعدم الاهتمام بالتوثيق والأمانة العلمية من بعض المحلات التي تقدم هذه الخدمات مقابل مبالغ مالية كبيرة، وهنا أرى أنه من الضروري أن تعيد الجامعات النظر في أعداد ونوعية المقبولين في هذه البرامج بصفة عاجلة.
وللحد من السرقات العلمية في مؤسساتنا التعليمية، نحتاج إلى نشر ثقافة الأمانة العلمية، وأسس التوثيق العلمي السليم في جميع المراحل التعليمية، وتوظيف البرامج الإلكترونية التي تساعد على كشف سرقة الأبحاث والدراسات العلمية، ومعاقبة من يسطو على إنجازات الغير وينسبها إليه، خلال إيجاد أنظمة ولوائح تخص هذا الداء وتطبيقها بشكل كامل ومستمر.
ومن المعروف أن عدم الاهتمام من الجهات المعنية بموضوع السرقات العلمية، والتهاون في إيجاد نظام المحاسبة للسارق أو المنتحل، يؤدي إلى استمرار هذه المشكلة وتناميها، ثم تحولها إلى ظاهرة يصعب على أي جهة التخلص منها.