في الوقت الذي عالجت لجنة إصلاح ذات البين التابعة لإمارة منطقة مكة المكرمة نحو 914 قضية عقوق والدين، سجلت سجون الرياض في عام 2015 نحو 150 قضية، بينما سجلت سجون جدة نحو 110 قضايا، وضم عنبر العقوق في سجن إصلاحية مكة المكرمة نحو 27 نزيلا. التقت "الوطن" بعدد من نزلاء الإصلاحية الذين أكدوا على ندمهم، على حد قولهم.




عقوق وحرص

قال النزيل "الأول" الذي يعاني اضطرابات نفسية نتيجة تعاطيه المخدرات والكحول، أن أحد إخوته حرض والدته على تقديم شكوى عقوق ضده مما انتهى به إلى السجن، بعد كسره يد والدته في مشاجرة ونقلها بنفسه إلى المستشفى على الفور، مؤكدا أن والدته كانت تزوره وتلبي جميع طلباته قبل وفاتها، وأنه لم يزره أي شخص من عائلته بعد وفاة والدته قبل نحو 4 أعوام.

وأضاف النزيل "الثاني" الذي تعاطى الحبوب المخدرة في سن مبكرة ثم أدمن شرب الكحول، أن والده حاول إصلاحه من خلال إيجاد وظيفة له ومحاولة إبقائه في منزل العائلة، حرصا عليه من رفقاء السوء، إلا أنه أصر على الخروج من المنزل بعد شجار بينه وبين والده أدى إلى دخوله سجن الإصلاحية، معبرا عن ندمه على كل التجاوزات التي صدرت منه التي أساءت بحد قوله إلى سمعته وسمعت عائلته، وأن والده من حرصه عليه لإبعاده عن إدمان الخمور فضَّل سجنه بقضية عقوق.




خلافات مالية وسوابق

أكد النزيل "الثالث" أن خلافات مالية بينه وبين والده أدت لمشاجرة أوصلته إلى سجن الإصلاحية بقضية عقوق، مستدركا بأن والده كان حريصا عليه وعلى عدم فقد أمواله، وبعد مرور أقل من أسبوع من دخوله السجن قام النزيل بالتواصل مع والده وتسامح معه. أما النزيل "الرابع" فقد سجلت ضده 10 سوابق، إضافة إلى تقدم والدته عليه بشكوى عقوق كونه يشرب الكحول مع أصدقائه بالمنزل، فيما نفى النزيل الشكوى المقامة ضده، مؤكدا أن سبب وجوده بعنبر العقوق نتيجة خلافات مالية على ميراث، حيث تريد والدته إعطاء شقيقه الحصة الأكبر منه. وقال النزيل "الخامس" الذي تعاطى الحبوب المخدرة التي أثرت عليه وعلى علاقته بأسرته، إن والدته قدمت شكوى عقوق ضده خوفا منه على شقيقته وإخوته من الاعتداء عليهم، كونه أصبح مشكوكا في سلوكهم ويتلفظ على والدته وإخوته بالشتم والسب، على حد قوله.





 


إيجاد دور خاصة

اقترح مدير سجون العاصمة المقدسة العقيد صالح القحطاني، إيجاد دور خاصة تشرف عليها الجهات ذات الاختصاص تستهدف قبل مرحلة دخول الابن السجن بتهمة العقوق، يتم خلاله إبعاد الابن العاق عن عائلته لمراجعة أفكاره وتصرفاته، خاصة من هم دون سن العشرين، مع إخضاعه لبرنامج تأهيلي سلوكي يساعده على اكتساب مهارات نفسية واجتماعية في التعامل مع الآخرين، مؤكدا أنه يتم إطلاق سراح الموقوفين في قضية عقوق بمجرد تنازل الشاكي عن القضية.


 


برامج تأهيلية

دعا القحطاني الآباء والأمهات إلى أن يكونوا على قدر كاف من الوعي والمسؤولية تجاه أبنائهم، خاصة في مرحلة المراهقة، وأكثر تفهما للتغيرات السلوكية التي تطرأ عليهم في هذه المرحلة، كونها تتشكل فيها شخصيتهم، ولا بأس من الاستعانة بخبراء نفسيين إذا تطلبت الحالة للوصول إلى تربية أسرية سليمة، مشيرا إلى أن إدارة السجون تقدم حزمة من البرامج التأهيلية والإصلاحية للنزلاء، تسهم بشكل إيجابي ملموس في تهذيب سلوكياتهم وتقريب وجهات النظر بينهم وبين أسرهم.


 


سلامة التربية

أوضح الرئيس التنفيذي للجنة إصلاح ذات البين بإمارة مكة المكرمة الدكتور ناصر الزهراني لـ"الوطن"، أن اختلاف العلاقة بين الآباء والأبناء وراء الخلل في قضايا العقوق وسوء التربية الأسرية والتنشئة الاجتماعية، بدءا من المنزل، مرورا بالمجتمع المحيط والمشكلات الأسرية الواقعة بين الزوجين وأثرها البالغ في عدم الاحترام والتقدير، إضافة إلى ضعف الوازع الديني، وأثر النواحي الاقتصادية في تدهور العلاقة والتفريق بين الأبناء في المعاملة، مبينا أن قضايا العقوق يجب معالجتها من منظور اجتماعي وديني قبل وصولها إلى المحاكم أو السجون، مشيرا إلى أن اللجنة تستقبل العديد من القضايا في مجال العقوق ويتم التعامل معها بأساليب تربوية حديثة لحل الخلافات دون الوصول إلى الجهات الأمنية، إذ إن القضايا التي ترد اللجنة نحو 10 قضايا شهريا عن طريق دور الحماية، ومراكز الشرط، وهيئة التحقيق والادعاء العام، والمحاكم.


 


الدعوة إلى الحوار

أشار استشاري الطب النفسي في مستشفى الحرس الوطني الدكتور رجب بريسالي، إلى أن المراهقة مرحلة عمرية خطيرة إذا لم يحسن الوالدان التعامل معها بحكمة، حيث إن بداية الهوة بين الوالدين والأبناء حسب تأكيد دراسات نفسية، مشددا على تقوية الوازع الديني منذ الصغر، إذ إنه وقاية من الوقوع في حالات العقوق ويثري التواصل الإيجابي والحوار مع المراهق، داعيا أولياء الأمور إلى البعد التام عن المراقبة والمحاسبة وفرض الرأي دون حوار هادئ واحترام شخصية المراهق ومنحه المساحة الكافية للتعبير عن أفكاره دون استهزاء بها.




جُرم دولي

بين عضو برنامج الأمن الأسري الوطني عبدالرحمن القراش، أن حالات العقوق من أبرز المشكلات التي تعانيها المجتمعات العربية والعالمية، على حد سواء، إذ إنها من أشد السلوكيات التي يظهر فيها نكران الجميل لمن كان سببا في وجود الأبناء في هذه الحياة، موضحا أن سبب ذلك في البداية من الوالدين أنفسهما، ومن الأسباب: فقدان الانتماء للأسرة، الطلاق، العنف، التعدد، التدليل، والتفضيل، فقدان الحوار، مضيفا أن لجوء الوالدين للجهات العدلية بشكوى ضد الأبناء سيزيد من المشكلة دون حلها، إذ إن السجون المكتظة بالأشخاص غير الأسوياء دون النظر للجرم الذي حبسوا من أجله كفيل بتخريج الابن العاقل بشهادة إجرام مستقبلية.


 


معالجة القضايا

يرى قراش أن علاج حالات العقوق تبدأ من إدراك الزوج والزوجة منذ بداية الزواج أن الأسرة لها قدسيتها فلا تتم تربية الأبناء إلزاما، وإنما وفق ما يتلاءم مع الدين والأعراف الحميدة من خلال تحصينهم دينا وأدبيا، إضافة إلى فتح أفق الحوار واحتوائهم، بعيدا عن العنف، ومتابعتهم التي لا توحي بالوصاية الكاملة، وإنما إيجاد مساحة ممكنة من الحرية التي تتلاءم مع ظروفهم ومحيطهم دون خلل بالمبادئ العامة للتربية القويمة.


وصايا للحد من قضايا عقوق الوالدين

1- تقوية الوازع الديني

2- الحوار الإيجابي مع المراهق

3- منحه فرصة التعبير دون استهزاء

4- توعية الوالدين يمسؤولية التربية

5- إخضاع العاق لتأهيل سلوكي اجتماعي