غبت أمس عن الكتابة هنا للمرة الأولى في مرحلة الكتابة التي بدأتها منذ حوالى أربعة أشهر، والسبب وجيه جدا، فقد كنت مشغولا باتصالات مكثفة مع الأمين العام للأمم المتحدة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، وقضيت نصف يوم أمس تقريبا في محادثة طويلة مع (الفيتو) الذي لم أتركه حتى أقنعته بأنه أعظم ظالم مر على تاريخ البشرية منذ آدم عليه السلام وحتى قيام الساعة، ومع قناعته بذلك

إلا أنه قال لي بوضوح صارخ: "لم يعلم السادة أسلوب الاستبداد إلا سلوك وخنوع العبيد!!)، ولأن السيد (فيتو) لطمني بالحقيقة، فقد سد نفسي عن الكتابة، وأنهيت المكالمة معه، وعدت للزميل حسن القرني الذي يتولى إدارة شؤون الكتبة في هذه الصحيفة إلى أن يعود الزميل عبدالرحمن السيد معافى، بإذن الله، من نطحة تيس شتوية كادت تودي بحياته!! ولولا فزعة الزميل الدكتور علي موسى حيث اتصل بهيئة الأمر بالمعروف في الوقت المناسب لقضى (هياط) التيس على زميلنا العزيز السيد!! المهم قلت لحسن: لن أكتب وأرجوك ألا تبلغ الرئيس (اللي مايتسماش!!) فوافق على مضض!!، وعلى الرغم من كثرة اتصالاتي أمس بأهم الجهات في العالم، إلا أنني انتهيت وأنا لا أدري تحديدا أين يمكنني إقامة الدعوى ضد ثلاثة إخوة من السودان الشقيق (تآمروا علي وكادوا يقتلونني في مفازة ليلية بين ولاية (القضارف) وبين العاصمة (الخرطوم)، ولا أدري حتى الآن هل هم تآمروا مع الصهيونية العالمية، أم مع داعش أم مع إسرائيل، أم أن المؤامرة كانت داخل السودان نفسه، وبإيعاز من المهندس الكبير والرجل الرائع (ميرغني صالح) (والي القضارف) نفسه؟، وعموما فالتحقيقات ستكشف ذلك، وأظن أنه لا يمكن أن أقيم الدعوى في المملكة، ولا أريد أن أقيمها في السودان، ولذلك طلبت من الأمين العام للأمم المتحدة تشكيل محكمة دولية تبت في الأمر فقال: دعني أشجب وأستنكر أولا قبل تشكيل المحكمة، وعليك أن تتهيأ لصبر أطول من صبر اللبنانيين على طول نفس محاكمة قتلة الحريري، مع أنهم معروفون لكن كما تعلم فإن هيئة الأمم المتحدة تتوخى العدل!! وما لم يثبت لديها أن (الحزب الإلهي!!) قتل نصف مليون على الأقل اغتيالا وغدرا، فإنها لن تصل إلى قرار، ولذلك - وكما تلاحظ - فالحزب مجتهد في قتل السوريين، لكن كل هذا القتل لا يدخل في حسابات الأمم المتحدة، لأنه ليس غدرا ولا غيلة، وإنما قتل مباشر في وضح النهار، وهذا خارج تخصص السيد حسن وحزبه الخامنئي، ومتى ما عاد إلى تخصصه في الاغتيالات والغدر يستأنف عداد الأمم المتحدة العمل!!

أعود إلى (المؤامرة السودانية!!) فقد تلقيت دعوة كريمة من (والي القضارف)، ويوم الجمعة كنت في الخرطوم، وأنا منتش بلقاء الإخوة السودانيين الذين نصفهم أساتذتي وزملائي، والنصف الآخر أصدقائي الحميمين، ومنذ اللحظة الأولى أحاطتني رعاية لم أستغربها، ويكفي أن أقول إنني قضيت أسبوعا كاملا وأنا غارق في بحر من المحبة والكرم والسمو لم أعهد له مثيلا في الأرض، ليس من السودانيين الذين أعرفهم ويعرفونني، ولكن من كل الناس هناك، فهم يتميزون بخلق رفيع قل أن يتمتع به شعب في العالم كله، ورحلتي هذه يطول شرحها وهو شرح سأفرد له مساحات من الكتابة والبوح في قادم الأيام.

يوم السبت اتجهنا إلى (ولاية القضارف) وأثناء الطريق قلت للعزيز (مرتضى السوداني) وهو يقود الصالون التويوتا بمنتهى المهارة والحرص: متى نصل يا مرتضى؟! فقال: بضع ساعات، ووصلنا، وسأحدثكم لاحقا عن روعة (القضارف) وواليها وناسها وثرواتها، ومساء الأحد قفلنا راجعين إلى الخرطوم، وكنت برفقة الصديقين (الصحفي والمثقف الرائع محمد خير عوض الله، ورجل التسويق والعلاقات الهائلة فخري فركاوي، وصديق الكل مرتضى)، وأثناء الطريق لاحظت همسا، ورأيت سرب طائرات ترافقنا وبدأ مرتضى يجري اتصالات من جهاز سري كان موضوعا في (ترمس القهوة)، وارتبت؛ لأَنِّي ملاحق من التنظيم الصهيوني العالمي!! أجريت اتصالا بالسيد حسن فقيل لي: إنه في الجبهة وقد (التقط تل أبيب على كتفه) وهو عائد بها لدفنها في البحر الميت!! فرجوتهم أن يبعدها عن الشاطئ حرصا على السياحة في الأردن!! وأثناء مكالمتي خرج مرتضى بصالونه عن الطريق، تقديرا لموكب (حمار) محترم كان يقطع الطريق بثبات وثقة وشموخ تبين فيما بعد أنه عميل صهيوني محترف!! فخرجتْ مع خروج الصالون (الفقرة القطنية الثالثة بغضروفها) من ظهري، لكني توهمت أنه خروج آمن، وأن الأمر مجرد مزاح ودلع ورضوض عارضة، فأكملت بقية أسبوعي في بحر الحب السوداني بين حدائق الخرطوم البشرية وروائعها الإنسانية والثقافية امتدادا إلى ولاية الشمال بزهرتيه (مروي ودنقلا) ثم عدت إلى الرياض ثم إلى الباحة ثم إلى جدة، ويوم الأربعاء الماضي قال لي الدكتور العظيم خالد بترجي استشاري جراحة العظام الشهير بالمستشفى السعودي الألماني: مرحبا بالصديق القديم والزبون العريق، مستذكرا (نجارته الماهرة) في عظامي قبل أكثر من عشرين سنة، عندما عدت من الجبهة (مدشدشا) بعد أن قدت جيوش معارضة تحالف تحرير الكويت، وسعيت إلى إخراج الكفار من جزيرة العرب، وتكفير من دعاهم، متضامنا مع مرشد وجماعة الإخوان المسلمين والولي الفقيه وإيران، لكن الملك فهد، رحمه الله، (خصرني!!) فتركت الجبهة مرغما للأمير خالد بن سلطان، واكتفيت بالجعجعة من بعض الجحور، ومطالبة الدولة التي كفرتها بعلاجي وابتعاث أولادي وقد غفرت وتسامحت واستجابت، ولكني استمررت في الكيد لها حتى الآن، وكان يا ما كان (وبعدين أعلمكم)!!، وأضاف الدكتور بترجي بحسم: إلى الورشة يا سيد، وهكذا كان، إذ لم أسأل ولم أعلم ماذا فعل يوم الأحد الماضي في ظهري، وكل الذي أتذكره أنه طلب طنا من الحديد الألماني اللماع، وكان آخر عهدي به وهو يقول: توكلنا على الله، وغبت أفكر في المؤامرة التي أوصلتني إلى هنا، وتيقنت أن أحبائي السودانيين - خاصة مرتضى - نفذوها بمهارة، لم يتفوق عليها ويفشلها إلا مهارة الدكتور خالد بترجي وخلقه الرفيع، والحمد لله رب العالمين.