يبدو أننا ننتظر أزمة اقتصادية عنيفة جدا حتى نغير سلوكياتنا الاستهلاكية المبنية على البذخ المبالغ فيه وصور الكرم الاستفزازية والتي تظهر مدى سطحية البعض وفكره المحصور في إظهار قدرته على صرف المال على تجمعات واحتفالات تهريجية تتصدر فيها قصائد المديح الموائد التي تتكدس بأنواع وأشكال الأطعمة التي ينتهي معظمها إلى حاويات القمامة" أكرمكم الله" في غياب الضمير الناقد الذي يخاف انقلاب النعم إلى نقمة وفقر.

البعض يرجع ذلك الإسراف إلى توارث الكرم أجيالا بعد أخرى، لكن هناك فرق بين أن تكون كريما أو مجرد مُراءٍ ومفاخر، لأن الكريم حتى وإن جاد به للضيف والغريب لا ينسى المحتاج الذي يجاوره المسكن والحي، بل يتحين الفرصة لتقديم العون له.

ما يحدث الآن معاكس تماما للكرم، عملية مزايدة ومفاخرة لمن يدفع أكثر في مواقف ولأشخاص ليسوا ضيوفا ولا محتاجين، هم أشخاص حققت إبلهم مراكز متقدمة في سباق للمزايين أو ظفروا بالفوز في الانتخابات البلدية أو المشيخة القبلية.

وهنا يظهر مدى بعدنا عن التكافل الاجتماعي وتلمس الطرق لمساعدة المحتاجين خصوصا وهم يتكاثرون، والمؤسسات الحكومية التي تقدم المساعدة لهم تحتاج من المقتدرين مساعدتها، فهناك الأرامل والأيتام والمطلقات وأسر السجناء وغيرهم من الأسر المهجورة من العائل، إما لمرضه أو لسوء سلوكه الذي دفعه إلى طريق الانحراف، وبالتالي التخلي عن الإنفاق على أسرته. كل هؤلاء يمكن للمبالغ المهدرة في حفلات "الهياط " أن تسهم في تخفيف معاناتهم. كثير من المقتدرين ينكر وجود المحتاج للمساعدة المادية ودائما ما يتعذر بأنه حتى وإن وجدوا فالدولة تمنحهم ما يكفيهم، وهذا عذر من لا يرغب في عمل الخير والبحث عمن يستحقه.

العالم من حولنا يتحول والشعوب تتفهم ذلك التحول وتكيف نفسها معه، نحن فقط من ندير ظهورنا ونصم آذاننا عن استيعاب التغيير، ونصر على أننا ما زلنا نعيش نفس المرحلة التي كان فيها الاقتصاد مستقرا وبعيدا عن الأزمات، والمواد الاستهلاكية والأراضي السكنية وحتى أسعار المحروقات وغيرها من الخدمات كما هي تقف عند الحد الأدنى للأسعار، وكل ما مر من هزات لم نستوعبه حتى الآن. الخوف أن نظل منفصلين طويلا عن الواقع ونكابر حتى يأتي اليوم الذي تتفاقم فيه مشكلاتنا الاقتصادية ونعجز عن إيجاد الحلول وهذي هي نقطة الانهيار لا قدر الله.