تساءلت في مقالات سابقة كثيرة، وقلت: هل يوجد في بلدنا مسؤولون وموظفون يكيدون للدولة والقيادة، بطريقة غير مقصودة، إمّا بسبب عدم كفاءتهم، أو جهلهم، أو أنها مقصودة بسبب الانتماء الأيديولوجي غير المنسجم مع ما تؤمن به الغالبية وطنياً، أو لأغراض مصلحية آنية، وقلت لا أدري!! وسأترك هذا السؤال مفتوحاً وطليقاً في الفضاء.
بين يدي الآن قضيتان موثقتان لشابين متهمين بالردة، أحدهما تم الحكم عليه بالقتل من المحكمة الابتدائية، بطريقة أقل ما يقال عنها إنها "هزلية"، والآخر مازال ينتظر حكماً مماثلاً، بسبب تغريدات يعتقد المغرد أنها تحت باب الرأي "المباح"، وكلا الشابين كان يمكن محاكمة ما قالاه إعلامياً، في وزارة الإعلام، ففي هذه الوزارة لجنتان بأمر ولي الأمر، ونظام الجرائم المعلوماتية، ينص على ذلك، فكيف – ابتداءً – يقبل أو يسمح لقضاة المحاكم العامة بقبول مثل هذه الدعاوى، وكيف تقبلها – ابتداءً - هيئة التحقيق والادعاء العام، أين نعيش؟ وماذا نريد أمام هذه القضايا المرفوضة عقلياً وشرعياً؟!
القضية الأولى للشاب أحمد فريح راضي الشمري "29عاماً" الذي قبضت عليه هيئة الأمر بالمعروف في حفر الباطن، بعد أن رصدته، وتصيدته، وقبضت عليه، وقدم له عضوان منها "رشوة إطلاق سراحه" إذا اعترف أمامهما بكل التهم التي وجهاها إليه، وهي تهم تقول إنه كتب في وسائل التواصل الاجتماعي إساءات موجهة نحو الله والرسول والقرآن والصحابة والإسلام كله، وهو كلام لا يقوله ملحد عاقل، فما بالك بشاب يتعاطى المسكرات والمخدرات، فقبل رشوتهم، واعترف قبل بضع سنوات، لكنهم نقضوا الوعد وحولوا اعترافاته هذه إلى هيئة الرقابة والتحقيق التي تبنت الموضوع، وكان بإمكانها إغلاقه عندها فلماذا لم تغلقه؟ وهل محققو الهيئة حين يقرؤون تهماً واعترافات كهذه، لا يلفت نظرهم ويستوقفهم أنها لا تصدر من عاقل مطلقاً؟ ثم لماذا لم يحيلوا المتهم للطب قبل تحويل معاملته إلى المحكمة؟ هل هذا كله جهل؟ وهيئة التحقيق والادعاء، والقضاة الثلاثة الذين حكموا إمّا أنهم جميعاً لا يعرفون نظام الإجراءات الجزائية ولم يسمعوا به!! أو أنهم جميعاً تجاهلوه، فلماذا تجاهلوه؟!.
المهم، أحضر القضاة الثلاثةُ المتهمَ 4 / 1 / 1436هـ، واستمعوا إلى لائحة الاتهام من ممثل هيئة التحقيق والادعاء العام وسألوا المتهم الذي اعترف بشربه للعرق المسكر، وذكر أنه ليس واعياً أثناء أفعاله ومحادثاته، فسأل القضاة ممثل هيئة الادعاء فقال: "الصحيح ما ذكرته، فسألناه البينة على صحة دعواه، فقال: بينتي إقرار المدعى عليه المرفق بالمعاملة، وأطلب الرجوع إليه" وانتهت الجلسة، وفي 13/4/1436هـ، افتتحت الجلسة الثانية، بحضور الطرفين أمام القضاة الثلاثة، الذين عرضوا على المتهم محضر التحريات والقبض الذي دونته "هيئة الأمر بالمعروف" فقال المتهم: "إنني محافظ على الصلوات الخمس في المسجد وأنا أستغفر الله من كل ذنب أو تقصير اقترفته وأنا بوعيي أو فاقد الوعي لشرب المسكر، وأعلن أمامكم توبتي والتعهد بالالتزام بالطريق المستقيم" وانتهت الجلسة، وفي 29 / 4 / 1436هـ افتتحت الجلسة الثالثة، وفي هذه الجلسة أحضر المدعي البينة "ثلاثة شهود عدول!!" وهم أعضاء في هيئة الأمر بالمعروف وهم من تصيَّد ورصد وقبض، والطريف أن شهادة الشهود ولائحة الادعاء العام تكاد تكون متطابقة نصاً مع محضر القبض الذي دونه "الأعضاء" الشهود في المحكمة، وعرضت شهادة الشهود على المتهم فقال: "ما ذكروه من اعترافي أمامهم فهو صحيح، وذلك بسبب أنهم وعدوني بالخروج!!" فلماذا لم يسأل القضاة الشهود؛ "لماذا وعدوه بالخروج؟". وهل هذا يعتبر "رشوة أو خدعة" من أعضاء الهيئة "الشهود" لتوريط المتهم بالاعتراف؟!، وفي الجلسة الرابعة يوم 3/5/1436هـ، وقبل أن يصل تقرير اللجنة الطبية المختصة استعرض القضاة الثلاثة أقوال أهل العلم، وبعد التداول أصدروا حكماً "غريباً عجيباً" يتكون من ثلاثة أجزاء هي:
الأول: الجلد ثمانين جلدة بسبب شرب المسكر
الثاني: سحب جوال المتهم
الثالث: قتل المتهم حداً لردته.
ولاحظوا معي خمس نقاط: الأولى عدم طلب محام أو تنبيه المتهم له حسب النظام، والثانية: اعتراف المتهم بتعاطي المسكر، وأنه كان في غير وعيه، والثالثة: أن لائحة الادعاء وكلام الشهود "المتطابقة" تؤكد كلها أنه كان في غير وعيه، وهذا ما رآه القضاة في تقرير مستشفى الصحة النفسية الابتدائي بحفر الباطن، والرابعة: أن القضاة لم ينتظروا ورود تقرير الهيئة الطبية الرسمية بالمنطقة الشرقية التي أوصى تقرير المستشفى بعرضه عليها للفصل فيه. والخامسة: أن الشهود الثلاثة هم أصلاً من تصيد ورصد وقبض على المتهم، وأغراه بالخروج ليعترف، أمّا قاصمة الظهر فهي أن المتهم أعلن توبته أمام القضاة وتعهد بالالتزام بالطريق المستقيم.
الآن وبعد صدور الحكم "العجيب" صدر تقرير اللجنة الطبية الجنائية في 17/11/1436هـ - أي بعد ستة أشهر من صدور الحكم، وهذا نص التقرير: "وبعد الاطلاع على ملفه الطبي الخاص به وبعد عمل الاختبارات النفسية اللازمة تبين أنه مصاب باضطراب في الشخصية مع الاعتماد على تعاطي المواد المخدرة، كما أن لديه تاريخاً سابقاً لأعراض ذهانية عقلية ناتجة عن التعاطي وهذه الحالة تؤثر على سلوكه وتفكيره وجعله مندفعاً مما يؤثر على إدراكه ومسؤوليته. واللجنة ترى أنه مسؤول جزئياً عن التهمة الموجهة إليه بهذه القضية"، لكن تم توكيل المحامي المعروف إبراهيم المديميغ للترافع عن الشاب "المدمن المريض نفسياً"، وكتب لائحة استئنافية، وأرفق معها تقرير اللجنة الطبية الجنائية، لكن الاستئناف لم يلتفت لا للائحة الاعتراض، ولا لتقرير اللجنة النفسية "الفاصل" الذي حكم القضاة على المتهم قبل وصوله إليهم، والآن القضية في المحكمة العليا.
والمأمول أن يحدث الإنصاف منها، أو من الملك –حفظه الله - فالدين الإسلامي لا أعتقد أنه يقرّ هذا الحكم؟ ونظام الدولة لا أعتقد أنه يقبله؟ فلمصلحة من يحدث هذا؟ هل أشقق ثيابي علناً؟! أم أنتقل للقضية الثانية المماثلة؟! دعونا ننتقل.
"علاء برنجي" صحفي جميل، ومهني رائع، تعرفت عليه أيام صحيفة "الشرق" في عام 2010، وعينته "سكرتيرا، ثم مدير تحرير" وهو جدير أخلاقاً ومهنياً، وبعد أن تم فصلي من العمل في الصحيفة، بفترة قليلة، تم القبض عليه، وسألت – وتطقست – عنه، ففهمت أن موضوعه سهل، وسيخرج خلال أيام، ونسيت الموضوع؟! ومنذ أيام اتصلت الدكتورة هالة الدوسري من أميركا وأبلغتني أن "علاء" تم توجيه عدة تهم له، وأخطرها تهمة "الردة عن الإسلام"، فقلت لها لا تقلقين، فمنذ حروب الردة في زمن الخليفة الراشد أبي بكر الصديق، لم أقرأ في تاريخنا الإسلامي أن أحداً حكم عليه بحكم الردة، بل وحتى في الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة لم يحدث هذا، على الرغم من شدتها في الدولة الأولى خاصة.
قالت: وهل نسيت "فياض" الذي كتبت عنه.
وهنا لم أجد رداً، سوى أن قلت لها، بحكم موقعك، فإنني أرجو منك عدم الحديث لوسائل الإعلام لا عن "فياض، ولا مخلف، ولا علاء، ولا غيرهم"، وإنما قولي فقط: مستحيل أن يقتل أو يعاقب إنسان في السعودية بتهمة كهذه، وإنما هي اجتهادات محتسبين يروجونها، كما يفعل متطرفو المسيحية، وأي دين، وليسوا قضاة ولا مسؤولين.
قالت: وهل تعتقد أنني قادرة على الكذب عليهم؟! هؤلاء يعرفون بلدنا أكثر منا!! فقطعت الخط معها، بحجة سوء الشبكة!!، والآن أقول هنا داخل وطننا، وحديثي موجه للقيادة تحديداً، ولمحبيهم الصادقين، ومحبي الوطن بمكوناته الرائعة العظيمة، وبسلبياته وأخطائه، وللجميع أقول أعداؤنا الأخطر والأعظم - كما يبدو - داخلنا وبيننا، بل وفي بعض أجهزتنا الحكومية، وللمرة الألف أكرر، أن هؤلاء يمارسون عداءهم جهلاً أو لتحقيق غرض خطير، أو مصلحة آنية مادية أو معنوية، وأي من هذه الصفات تستدعي أن نرى الخطر بأم أعيننا ونقضي عليه بسرعة وحزم وقسوة قبل أن يجتثنا بتآمر الخارج معه أو بغفلة الداخل عنه!!