نقش حكماء اليونان على معبد أبولو في دلفي عبارة (لا شيء في إفراط) وهو المعنى الذي نجد له تعابير مختلفة في العديد من ثقافات العالم قديما وحديثا، وللتوضيح فإن إشارتي هنا إلى العبارة اليونانية أتت للتدليل على أن إشكالية التطرف قديمة قدم التفكير الإنساني نفسه، كي لا يقفز أحدهم ويعاتبني على عدم الاستدلال بما سطره تراثنا، وقد كان الشعور اليوناني في مسألة التطرف تنظر باعتبارها إحدى نوازع الشعور والعواطف وهي ليست رذيلة في حد ذاتها، بل تصبح كذلك إذا ما تطرف بها الإنسان.
عندما نتحدث ونكتب ونسلط الضوء على أهمية التعليم وتأهيل الأجيال فإن ذلك مرده في الأساس إلى قناعة ربما تتفق معها الأغلبية، تقول: إن مرحلة الشباب العمرية هي السنوات التي يتشكل فيها التطرف يمينا أو يسارا، فإما أن يصبح زنديقا منحلا في أخلاقه وممارساته، وإما يصبح داعشيا إقصائيا مقتنعا بأنه وحده من سيدخل الجنة، وخطورة المرحلة هنا ليست فقط لقناعاته هذه؛ بل لأنه يتجاوز ذلك بالنظر للوسط والوسطية والاعتدال، باعتبارها مرادفات للرذيلة، فهو يرى أن ذلك الوسطي ما هو إلا جبان يعتبر الشجاعة تهورا واندفاعا؛ لذلك تجد أي المتطرف يعمل على التنكيل في الوسطيين أكثر من الهجوم على المتطرف المقابل.