لأن وزير العدل عاتب وسائل الإعلام لما نشرته من أخبار وتعليقات عما أصبحت تسميه (القاضي المسحور) وقال ما معناه إن بعض ما نشرته وسائل الإعلام عن ذلك فيه لمز للقضاء والقضاة، ولأن مجلس القضاء الأعلى قد أصدر بياناً عن الحادثة يفهم منه شيء من التنزيه للقضاء والقضاة، ولأن المسألة تتعلق (سواء كان ذلك صحيحاً أو لا) بتعرض قاض للسحر أو ادعائه ذلك وأن ما قام به من تجاوزات (صحيحة أو غير صحيحة) كان تحت تأثير هذا السحر.. لهذا أود أن أطرح على رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل أسئلة ثلاثة:

السؤال الأول: هل يسلمان بإمكانية تأثير الممارسات المتبعة عندنا الآن التي نسميها سحراً على ذلك النحو السائد، بأن يجعل (الساحر) المسحور فاقداً للأهلية، يقوم بدون إرادته وربما بدون علمه بأعمال لصالح الساحر..؟

السؤال الثاني: إذا كان جوابهما سيكون بنعم كما يبدو من برامج (التوعية) و(الدعوة) التي تنظمها بعض الأجهزة الدينية تلك التي تقيم معارض وأركاناً وزوايا ضمن معارض الكتب وبرامج الدعوة تخصصها للسحر والسحرة فإن السؤال الثاني لا بد أن يكون عما إذا كان القضاة يسري عليهم ما يسري على كافة الناس فيتأثروا بهذا (السحر) أم إن لديهم حصانة تعصمهم من ذلك..؟ وما هي تلك الحصانة يا ترى خاصة أن القاضي إنسان مثل غيره يسهو في أحايين كثيرة عن الأدعية والتعاويذ وخاصة لأن الأدعية والتعاويذ ميسرة يستطيع أبسط الناس اللجوء لها كل يوم بل ربما كل ساعة ولا يتميز القاضي عن غيره في هذا بأي شيء..؟

السؤال الثالث: إذا كانت الإجابة على السؤال الثاني بنعم، أي أن القضاة يسري عليهم ما يسري على غيرهم وليسوا معصومين، أي يمكن أن يصابوا بهذا (السحر) فإن السؤال الثالث يقول إذا كان من الممكن أن يقوم أحد السحرة بسحر القاضي ليجعله فاقداً للأهلية يصدر الأحكام ويقوم بتصرفات تخدم مصالح الساحر، فهل على القاضي المسحور في تلك الحالة حرج..؟

لقد تنامت لدينا أنشطة الدجل والشعوذة التي تلبست لبوس السحر، ووجدت مع الأسف من بعض الأجهزة الدينية تعظيماً لها بمعارض السحر التي أصبحت تقيمها، بل أصبحت مكافحة (السحر والسحرة) من أهم الأنشطة التي تقوم بها تلك الأجهزة، تخصص لها الاعتمادات، والدعاة، والرقاة، وتجعل لها حيزاً كبيراً في التعريف بأنشطتها، فإذا كان وزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى مؤيدين لتلك الأنشطة ومسلمين بمشروعيتها فلا بد أن يسلما بأن القاضي يتعرض مثل غيره للسحر وهو غير منزه من الآثار التي يحدثها الساحر على المسحور.

آن الأوان لأن تتحدد مواقف المسؤولين في الأجهزة الدينية ومن ضمنها وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى من تلك الأنشطة والمعارض التي تقيمها الأجهزة الدينية عن السحر والسحرة والتي أصبحت مع الأسف ظاهرة نتميز بها في المملكة وخاصية بارزة من خصوصياتنا.

في رأيي أنه ينبغي على رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل طالما أصبح النقاش مستفيضاً الآن عن (القاضي المسحور) أن يبديا رأيهما في تلك المظاهر (السحرية) التي استشرت لدينا، واستشرت وسائل مواجهتها من قبل الأجهزة الدينية.. هل هي حقيقة.. أم دجل..؟ أي هل هي أعمال سحرية مؤثرة بالفعل أم دجل يدخل في باب (أكل العيش) يقوم به أشخاص فقراء بسطاء وجدوا في مجتمع نمت فيه الخرافة بتأثير تعظيم هذه الخرافة من بعض الأجهزة بالإيحاء بأنها أعمال سحر حقيقية مؤثرة..؟

وفي رأيي كذلك أنه من الطبيعي في مجتمع انتشرت فيه الخرافة والدجل لأنه ينظر لها على أنها سحر حقيقي بتأثير بعض أنشطة بعض الأجهزة الدينية التي عظمتها في نفوس الناس، أقول من الطبيعي في مجتمع كهذا أن يستغل هذه الحالة كل متورط إذا وجد أن ذلك قد ينجيه من العقاب، وهذا قد يتسع ما لم يبادر المسؤولون في الأجهزة الدينية ومنهم رئيس مجلس القضاء الأعلى ووزير العدل بمواجهة هذه الحالة البالغة الخطورة وتوعية الناس بالحق والصواب، أما إذا كانوا يرون أنها سحر حقيقي لها تأثير حقيقي فلا بد في تلك الحالة أن يسلموا بسحر القضاة ويقولوا ليس على القاضي المسحور حرج.