في يوم السبت (16 يناير 2016) تم الإعلان في فيينا عن بدء تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران ورفع العقوبات المتعلقة ببرنامجها النووي، أمام ردود فعل متباينة حول تداعياته في إيران والمنطقة.
رفع الرئيس الإيراني توقعات المواطن الإيراني خلال السنوات الثلاث الماضية، حين كان مرشحاً رئاسياً ثم بعد انتخابه في عام 2013، مؤكداً أن الاتفاق سوف ينعكس إيجاباً على الوضع الاقتصادي في إيران. ويكشف الاحتفاء الكبير بالاتفاق في إيران أمل المواطن العادي بأن يؤدي إلى تخفيف عزلة إيران عالمياً، وزيادة الاستثمارات الأجنبية وفتح الأسواق والإفراج عن الأموال المجمدة في البنوك الأجنبية.
ويأمل المتفائلون كذلك أن يؤدي الاتفاق النووي ورفع العقوبات إلى ترجيح كفة "المعتدلين" في إيران، الذين يخوضون حرباً شرسة مع المحافظين في الانتخابات البرلمانية المقرر عقدها في 26 فبراير 2016، ويرون أن فوز المعتدلين قد يؤدي إلى إعادة النظر في سياسة إيران الخارجية القائمة حالياً على تصدير الثورة عن طريق نشر الفتن ودعم الميليشيات الطائفية والجماعات الإرهابية.
ولكن الاعتداءات الإرهابية التي وقعت في بداية شهر يناير على سفارة المملكة في طهران وقنصليتها في مشهد كشفت عن بعض إشكالات الوضع في إيران، التي تبدو قد فشلت حتى الآن في التحول من مرحلة الثورة إلى مرحلة الدولة التي تتصرف وفق القانون الدولي والأعراف الدبلوماسية. وإن لم يكن ذلك خافياً على المتابعين للسياسة الإيرانية في المنطقة، فدعمها للإرهاب بالمال والسلاح الذي بدأ مع قيام الثورة في 1979 - فضلاً عن الدعم السياسي واللوجستي- لم يتوقف بعد التوقيع على الاتفاق النووي في شهر يوليو 2015.
أدان المجتمع الدولي بأقوى العبارات حرق وتدمير سفارة المملكة وقنصليتها، كما رأينا في بيان مجلس الأمن والبيانات المشابهة التي صدرت عن الكثير من الدول، بما في ذلك دول قريبة من إيران مثل روسيا، ذلك أن مهاجمة البعثات الدبلوماسية من المواضيع التي يتفق الجميع عليها، باعتبارها انتهاكاً لقواعد مسلمة في القانون الدولي، خاصة اتفاقية فيينا لعام 1961 بشأن حماية السفارات، واتفاقية عام 1963 بشأن حماية القنصليات.
ولهذا فإن إدانة الاعتداءات على البعثات الدبلوماسية أمر يسير نسبياً، وقد لا تغير تلك الإدانات شيئاً كثيراً في سياسات إيران، مما يتطلب مقاربة تتجاوز تلك الاعتداءات، التي أوضحت مشكلتين أساسيتين. الأولى هي وجود قوى فاعلة في إيران تسعى إلى تصعيد الأوضاع في المنطقة. قد لا ترتبط هذه القوى بحكومة الرئيس روحاني مباشرة، الذي يقيد الدستور صلاحياته بشكل كبير، بل ترتبط بمراكز قوى أخرى في إيران تتمتع بدعم الدولة الإيرانية. المشكلة الثانية هي أن البعض في إيران أصبح يرى في الاتفاق النووي رخصة للتصعيد مع دول الجوار وغيرها، بعد أن تم التوصل إلى اتفاق مع الدول العظمى.
أتى المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي، الذي اجتمع يوم السبت الماضي (9 يناير 2016) على ذكر بعض المشاغل الخليجية التي لا تبدو إيران معنية بمعالجتها، ومن أخطرها "بث الفتنة الطائفية ودعم التنظيمات الإرهابية المتطرفة وتدريبها وتمويلها وتحريضها على زعزعة الأمن والاستقرار في دول المجلس"، مشيراً على وجه الخصوص إلى ما كشفته مملكة البحرين مؤخرا عن إحباط مخطط إرهابي لتنفيذ أعمال تفجيرية إرهابية، والقبض على عناصر خلية إرهابية جديدة كانت تتلقى الدعم من الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني.
وأشار المجلس كذلك إلى "التدخلات الإيرانية السافرة في الشؤون الداخلية للمملكة العربية السعودية، والذي جاء من خلال التصريحات الإيرانية العدائية والتحريضية بشأن تنفيذ المملكة للأحكام الشرعية الصادرة بحق عدد من الإرهابيين، معتبرا تلك التصريحات تحريضا مباشرا للاعتداء على البعثات الدبلوماسية للمملكة".
وفي الكويت، صدرت أحكام قضائية هذا الأسبوع بشأن عشرات المتهمين ممن كانوا على ارتباط بإيران ووكلائها في المنطقة، قاموا بالتآمر والتخطيط وجمعوا أطناناً من الأسلحة والمتفجرات بهدف زعزعة الاستقرار.
وفي سورية، خلقت إيران فتنة طائفية استخدمتها لتجنيد آلاف المقاتلين للدفاع عن نظام بشار الأسد، ولم تحرك ساكناً حين ارتكب أولئك المقاتلون جرائم حرب في حق السوريين.
وفي لبنان، أصبح حزب الله، بفضل الدعم الإيراني، مركزاً للتميز في تدريب الإرهابيين من جميع الدول، وفاعلاً أساسياً في تعطيل الحياة السياسية في لبنان، وتقويض نظامه الاجتماعي القائم على التعايش والتسامح.
وفي العراق، تتحدى الميليشيات المرتبطة بإيران الحكومة العراقية، وتقوم بارتكاب مجازر وأعمال سلب ونهب وتخريب، تؤجج المشاعر الطائفية وتساعد تنظيم داعش على تجنيد مناصرين له.
وتشمل قائمة التدخلات الإيرانية دولاً عديدة، في المنطقة وخارجها. استمرت هذه التجاوزات من قبل القوى المرتبطة بإيران بعد توقيع الاتفاق النووي، فهل ستتمكن حكومة الرئيس روحاني من كبح جماحها بعد البدء في تنفيذ الاتفاق ورفع العقوبات؟ كما قامت مجموعة الدول الكبرى بوضع اتفاق يحد من خطر البرنامج النووي الإيراني على المنطقة والعالم، فإن عليه الآن مسؤولية وضع اتفاق آخر يحد من الأخطار الأخرى القادمة من إيران، ويساعدها على الخروج من مرحلة الثورة والتصرف كعضو مسؤول في المجتمع الدولي.