أزعجني جدا أن مقال وزير الخارجية الإيراني الذي أشرت إليه أمس، حظي في اللحظات الأولى لنشره بأكثر من مائتين وعشرين تعليقا كلها مؤيدة له، ومن الطبيعي أن أعرف أن هناك فريقا متخصصا في وزارة الخارجية الإيرانية لمثل هذا الفعل وهذا دور هام وخطير ومطلوب، وواضح أن إيران تستخدم قوتها الناعمة ببراعة متناهية، فهل نحن عاجزون عن ممارسة هذه القوة؟! نحن لسنا عاجزين مطلقا، فالكفاءات موجودة، والإمكانيات متوفرة، لكن المتاريس التي أشرت إليها أمس موجودة أيضا، وهي لم ولن تسمح للكفاءات بأن تتقدم، وستستخدم الإمكانيات كامتيازات ومصاريف لها ولحواشيها.

لقد ظن البعض أنني ضد تعيين سفراء من خارج وزارة الخارجية، ومع أنني ميال لهذا، لأن عمادة السلك الدبلوماسي بالوزارة زاخرة بالكفاءات المعطلة، إلا أنني لا أرى بأسا من تعيين كفاءات من خارجها، وضع تحت كفاءات ألف خط، فإذا توفرت كفاءة من خارج منسوبي الخارجية أمثال بندر بن سلطان وعلي عسيري وأحمد قطان فلا بأس، لكن كم سفيرا مثل هؤلاء الثلاثة؟!

إنني أحترم وأقدر كل السفراء، بمن فيهم أصحاب المعالي الوزراء السابقون الذين كانت لهم بصمات جليلة في خدمة الوطن، وكان المفترض أن يكرمهم الوطن ويريحهم بحيث يعوضون سنوات التعب الطويلة بقضاء بقية أعمارهم مع أسرهم في المنتجعات، ومع مكتباتهم وأقلامهم لكتابة مذكراتهم وإفادة الأجيال اللاحقة بتجاربهم الثرية وخبراتهم الكبيرة، كان هذا هو المفترض سيما والدولة ستستمر في صرف مخصصاتهم دون نقصان، لكن الذي يحدث أن بعضهم يتم الزج بهم في سفارات مهمة وهم زاهدون في العمل من جهة، ولا خبرة لديهم في العمل الدبلوماسي من جهة أخرى، وقد استغربت مثلا تعيين الدكتور خالد العنقري في باريس، مع وجود الدكتور علي القرني نائب السفير السابق في السفارة نفسها، وهو لا شك أولى وأكفأ وأخبر، ثم إن أردنا كفؤا آخر فالدكتور فهد العرابي الحارثي جاهز فهو خريج السوربون وابن فرنسا وسبق أن عرضت عليه السفارة واعتذر، لكنه فيما أظن سيقبل الآن؛ لأن الأسباب التي كانت سببا لاعتذاره قد زالت، ولعله يغير رأيه في جماعة الإخوان المسلمين ويعود إلى قواعده سالما، وأكفأ منه وأهم الدكتور معجب الزهراني فهو خريج السوربون وابن فرنسا أيضا ورجل وطني بامتياز، وهذا لا يعني تقليلا من كفاءة العنقري فقد كان من أكفأ الوزراء، بل إنه قاد التعليم العالي إلى نجاحات مشهودة ومعروفة ولن ينساها تاريخ الوطن، لكن ذاك أمر والسفارة أمر آخر، فالدكتور العنقري يحتاج إلى سنوات حتى يتعرف على المجتمع الفرنسي ويبدأ بناء الجسور معه، فهل وطننا الآن يحتمل التجريب وهو يملك من الكفاءات ما يغنيه عن هذه المشاوير الطويلة، وهل سفراؤنا في الخارج كلهم قرؤوا مقال جواد ظريف، وإن كانوا قرؤوه فهل بادر أحد منهم بالرد عليه وتفنيد أكاذيبه وتقديم الحقائق الصحيحة المعروفة؟ فنحن لسنا بحاجة لأن نكذب كما فعل وزير خارجية إيران، وإنما نحن بحاجة لأن نقدم حقائقنا كما هي في الواقع، وهو واقع مشرف لكنه مغمور ولا يعرفه العالم، وكما قلت أمس فإن أقوى سلاحين اليوم هما (الإعلام والاقتصاد) ونحن نملك السلاحين، لكن المتاريس الأزلية تحول دون استخدامهما في الوقت والمكان المناسبين، ولا أدري إلى متى نهدر إمكانيات الوطن، ونغيب كفاءاته عن ساحات العمل المثمر والعطاء المتميز؟!

قد يقول قائل لماذا لا تتصدى أنت لمقال ظريف؟ وأقول إن ذلك يشرفني ولن أجد كبير عناء في الرد عليه، لكني أعرف حدود تأثيري في العالم، ومدى إمكانية إتاحة الفرصة لي في منصة إعلامية عالمية، وأتصور أن الرد من سفير معروف أو من وزير أكبر أثرا، وأعظم قبولا، سيما أن رده سيكون بمثابة رد الدولة، كما هو حال تلقي العالم لمقال ظريف المحشو بالأكاذيب!!

أقول قولي هذا، وأنا لا أدري إن كان هذا الموضوع يعني المسؤولين وخاصة في وزارة الخارجية، أم أنني واهم وصنعت من الحبة قبة كما يقال!!