السياحة تشكل دخلا ممتازا لكثير من دول العالم كما هو معلوم؛ ومن فضول الكلام التأكيد على المبالغ الهائلة التي نصرفها نحن في السياحة خارج المملكة فليس هذا بالأمر الخفي على أحد؛ المهم كيف نتحول لعامل جذب سياحي؟!
الإجابة سهلة، لو نظرنا للأراضي البكر الجميلة المميزة بتنوعها الطبيعي من جهة، ولتطور قطاع الفندقة بجهود القائمين على السياحة من جهة أخرى؛ لكن مشكلة هذا القطاع كما يبدو ارتفاع الأسعار الذي يبرره بعض ملاك العقارات بقصر الموسم السياحي؛ بحيث يسعى المالك لتحقيق أرباح في فترة وجيزة، تجعل من الممكن أن يستمر بتقديم الخدمة مستقبلا مقارنة بالأسعار بيننا وبين بعض دول الجوار تجعلنا الأغلى، ولكن غياب بعض المناشط السياحية يضاف في رصيدها فنحزم أمتعتنا لنتوجه إليها.
بلادنا الغنية بتنوعها الطبيعي من شواطئ البحر الأحمر لضفاف الخليج، ومن آثارها الغنية لجبالها الخضراء، لصحاريها الذهبية، مساحات ممتدة لطالما كانت حلما غامض الملامح جذابا لا يعرف تفاصيلها مثل الشباب، ولنوجه الحديث إلى نقطة مهمة في هذا الجانب، وأعني الشباب الذين تخصصوا في السياحة وتخرجت أولى الدفعات منهم منذ بضع سنوات؛ فقط ليعمل بعضهم في قطاعات البنوك أو المؤسسات البعيدة عن تخصصهم وكأن السياحة ليست بحاجة لأبنائها!
هؤلاء الشباب -بحكم تخصصهم- قادرون على البحث عن حلول تدعم السياحة ولو لم يمارسوا الفندقة مباشرة، فيمكنهم التعامل بوعيهم مع القائمين على إدارتها للنهوض بها؛ فيمكنهم -مثلا- تقديم عروض سياحية بأسعار مغرية في عطل نهاية الأسبوع، شاملة السكن والتذاكر في الفنادق والمنتجعات المميزة؛ مثل هذا الحل لا نكاد نجده لأن كثيرا من المتنزهات في المصايف تغلق أبوابها بعد انتهاء فصل الصيف لقلة المرتادين أو انعدامهم!
فكرة أخرى يمكن أن يقوم بها هؤلاء الشباب وهي متابعة المتنزهات الصحراوية في المدن التي يسكنون فيها والإشراف عليها بحيث تقدم بسعر معقول، فالمخيمات الصحراوية الصغيرة تأخذ في الليلة الواحدة ما يعادل السكن في جناح مميز بأحد فنادق الخمس نجوم ولا يحق لنا أن نسأل عن تكلفة المخيم التعيس الذي ترفع ثمنه لهذا الحد لأنه خيار أوحد!
الطيران عامل مهمل في الجذب السياحي لدينا، خاصة خطوطنا السعودية التي تعمل بطاقتها القصوى، لكنها لا تواكب الزيادة في عدد المسافرين في الإجازات وفي المصايف بالذات، حيث يتزاحم المصيف بحجوزات العائدين والمصطافين ولا يصبح الحجز في وقت السفر أو قبله بقليل رفاهية بل قطعة من العذاب.
والسياحة يقوم عليها رجال يقدمون الكثير؛ لكن لا تزال كعائد تحتاج لأكثر من ذلك، ولنا في تجربة السياحة الدينية أسوة حسنة لو تأملناها بخياراتها في السفر برا، فتوفير الرحلات السياحية للعمرة مثلا كان كفيلا بإشغال مكة بالمعتمرين حتى من مدن عربية بعيدة جدا، وهو جهد جهات خاصة تماما وليست حكومية، الخيارات السكنية المريحة والنظيفة والمقبولة ماديا للأسر الكبيرة يجب أن تكون غاية، فأسرنا تتكون من أعداد تقارب العشرة أفراد، وهؤلاء بحاجة لخيارات تناسب أعمارهم ودورهم في الأسرة ولا تشكل عبئا مرهقا، فتصل تكلفة إقامة الأسرة في يوم واحد إلى ما يعادل نصف دخلها الشهري أو ثلثه.
لا أعلم خفايا السياحة، لكني لا أجد خيارات تنقلني بين مدن المملكة؛ بل يجب أن أقوم بذلك بالطريق الأصعب؛ وأجد من الناس من يتكلم عن تفاصيل مدن عالمية ولا يعرف تفاصيل وطنه!
وشباب السياحة بإمكانهم أن يقدموا لنا تفاصيل القرى والمدن التي تخفى علينا؛ أهم أسواقها، وأشهى أطعمتها؛ وأشهر أحيائها وشوارعها وسر تسميتها، وكل ما يحتاج السائح إلى معرفته، خاصة السائح الذي لا يملك خبرة في البحث أو السؤال.
دور آخر آمل من شبابنا القيام به في أثناء ذلك؛ أن يساهموا في نشر الوعي بأهمية التعامل مع البيئة، من خلال التعريف بالمحميات بأنواعها، وأماكن منع الصيد والاحتطاب والسبب الداعي للمنع وهو المحافظة على البيئة؛ لتستمر للأجيال القادمة بشكل أفضل في المناطق التابعة لبرامجهم.
في هذه الإجازة في مدينة جدة كان مهرجان جدة التاريخي بشعاره اللطيف (كنا كدا) نموذجا لحماس الشباب لنقل صور جميلة غابت عن الذاكرة؛ يستقبلك الشباب صغار السن الذين ينظمون السير في الشوارع المحيطة بمهرجان جدة في حواري جدة التاريخية، ويرافقونك في كل خطوة وكل ركن، تجد الذين ارتدوا الصديري المحلى بعبارة: (فزعة يا سيدي)؛ فيستوقفك بائع الهريسة الذي يرفض أن يبيعك إلا لو كنت تملك القرشين القديمة وبابتسامته العذبة؛ يخبرك أنك ستحصل عليها مجانا بعد انتهاء العرض، كما يهرب من أمامك اللص المقيد بالسلاسل قبل أن يصل إلى الكركون؛ ومظهر الشرطي القديم والحرفيين الذين عرفنا بعضهم وغابت حرفهم إلا من مثل هذا المهرجان.
تحية عطرة لأبطال مهرجان جدة خاصة ولكل من قام ويقوم على خدمة هذا الوطن في كل مكان، وجميل أن يقف الأصغر عمرا ليقدم صور الماضي حتى للأكبر منه سنا بتناغم مدهش!
الوعي يبدأ بالشباب ومن الشباب وللشباب، خاصة أننا من أكثر مجتمعات العالم فتوة ونريد مزيدا من السياحة بسواعد شابة لا تكل.