تابعت المشادّة التي حصلت بين الشيخ عبدالله بن زايد والرد البذيء لوزير خارجية إيران في تويتر؛ وعندما دخلت على حساب الأخير وجدته يحظرني من المشاهدة، واستغربت كثيرا! فأنا لا أتابعه أصلا، وأعرف أنه مجرد منشفة لنظام الملالي فقط، ولم أكن أتوقّع هذه الحساسية المفرطة تجاه كاتب سعودي، وكيف لو كنت إيرانيا!
لم أتصوّر أن نظام الملالي هشٌّ إلى هذه الدرجة، حتى الكتاب من خارج الحدود لا يتحمل ذكرهم! والمصيبة أنهم يجيدون حديث المنابر ودعاوى الحرية، وهم يقمعون حتى رسم الحرية في الداخل! والمضحك حقا أنه حتى مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفيسبوك محظورة في إيران الحرية! فلا يحق للمواطن المستعبد أن يطلع على شيء، ربما يشككه في معصومية الولي الفقيه الذي يتحدث عن الله! هكذا تعيش إيران الحرية والعدالة في الداخل!
نعم، أتفق مع هذا النظام في طريقته؛ فعلا هو لا يستطيع البقاء مع الأفكار الظلامية التي يقوم عليها في ظل بيئة منفتحة يمكنها أن تقرأ مبادئ العقل والحضارة وترضى أن يحكمها ملالي متطرفون وبعقلية القرون الوسطى قرون الظلام! ولا يُشابه فكرة النظام سوى ما كان يقوم به بابوات أوروبا في قمع واضطهاد الشعوب بدعاواهم أنهم ظل الله وإرادته في الأرض مهما اختلفت المسميات!
الأسوأ في هذا المشهد أن نظام الملالي وكذا ميليشياته المرتزقة حول العالم يستخدمون المثقفين كثيرا في أن يكونوا ممسحة لهم ليحسنوا وجههم القبيح، ويستعينوا بروح القومية الفارسية أو الطائفية ولا يترددون في شراء الذمم وربما قتلها لأجل هذا الغرض! فكثيرا ما تشاهد مثقفين هنا أو هناك يتحدثون بنَفَس حضاري حديث عن الحقوق أو العدالة في الدول التي يريدون تخريبها فقط، ويستعين بهم الملالي، لأنهم يعرفون أنهم ليس لديهم القدرة على التأثير في الوسط الثقافي أو المتحضر، ولا يجيدون الكلام فيه، ويجهل هؤلاء المثقفون أو يتجاهلون أنهم أول ضحايا هذه الأنظمة المتطرفة!
عند التأمّل في أسوأ التنظيمات المتطرفة حاليا كداعش ومقارنتها بالنظام الحاكم نيابة عن الله في إيران نجد أنهما نسخة من بعضهما ولا يفترقان إطلاقا إلا في المسميات (سنة وشيعة)، وللعدل؛ فإن زعيم داعش لا يدعي صراحة أنه يحكم نيابة عن المعصوم (وبالتالي عن الله)، بينما مرشد إيران لا يستحي هو وملاليه من ادعاء المعصومية في نظامه وحكمه وسياسته! أما البشاعة والتطرف في القتل واستباحة الدماء والإنسانية فهما لا يفترقان عن بعضهما؛ سوى أن داعش حمقى ولا يعرفون كيف وأين يقتلون، بينما نظام الملالي معتاد ولديه خبرة طويلة في القتل والاغتيال وزرع الاضطرابات طوال تاريخه، ولم يتورّع حتى عن التفجير وقتل المسلمين في مكة المكرمة في أكثر من حادثة، والسبب الأساس أنه يكفر المسلمين بالجملة كما تفعل داعش تماما!
أنا لا ألوم الملالي المتطرفين، فهم في النهاية مستفيدون من الهالة والقداسة التي يمنحونها لأنفسهم باسم الله وبأفكار خرافية تعود إلى مئات السنين للوراء، ولكني ألوم بعض المثقفين، وخصوصا من إخواننا وزملائنا الشيعة عربا وفرسا، عندما ينحازون بدافع طائفي إلى مثل هذا النظام المتطرف أو حتى لا يعتبرونه خطرا وجوديا عليهم وعلى مستقبل المنطقة ككل! وأسألهم؛ ماذا لو كان بقية المثقفين يقفون موقفكم من التنظيمات المتطرفة السنية المقابلة؟ ما رأيكم عندها؟ ألا تعتبرون هذا الموقف يهدد وجودكم ووجود المنطقة ككل؟ يجب علينا جميعا ألا نسمح لهؤلاء المتطرفين جميعا سنة وشيعة أن يأخذونا ويجرونا إلى معركة تحرق المنطقة كلها، ولن ينجو أو يستفيد منها أحد!
ليس أسوأ على المثقف من أن يكون ممسحة للمتطرف، مهما كان المبرر، فمثل هذه المواقف تقضي حتى على تاريخه وفكره وعقله الذي جمّده لصالح ذلك المتطرف الذي يستخدمه ويجره إلى جانبه المظلم! والشيء الأغرب والمبكي أن جميع -وأقول الجميع بلا استثناء- الدول والميليشيات والأحزاب التي تتبع (لمعصوم) إيران معروف عنها تاريخها وواقعها الأسود في القتل والاغتيال والتطرف والفساد والقمع، حتى بيع المخدرات ثبت استخدامهم له لتمويل نشاطاتهم الإجرامية، ومن المحزن حقا عندما ترى شخصا متعلما ومثقفا يطبل لهذه الدول والميليشيات الإرهابية!
أعلم أن الميول الطائفية أو القبلية أو العرقية (بعيدا عن العقل والصواب) في منطقتنا أهم محرّك ودافع لشعوب المنطقة التي لم تواكب الحضارة المعاصرة ولم تستفد منها كثيرا، ولكن هذا مقبول للدهماء والمنتفعين فقط، فأين المثقفون والأحرار الذين يستوعبون ظروف المرحلة ويقفون بشجاعة واستقلال عن ضغوط المتطرفين والدهماء؟ أرجو ألا تأتي وقفتهم بعد فوات الأوان!