لم يتدخل الملك عبدالله بن عبدالعزيز في الأزمة العراقية الراهنة من خلال الكواليس السياسية والدبلوماسية المغلقة والسرية وإنما بفروسيته وفراسته المعروفتين توجه إلى كل أطياف الشعب العراقي علنا ومن خلال دعوة شاملة للجميع كي يجتمعوا ويتحاوروا ويتفقوا.
أزمة العراق الأخيرة مع تشكيل الحكومة مضى عليها نحو سبعة أشهر دون أن تجد مخرجا من نفق الطائفية والمذهبية الذي تغذيه جهات خارجية من تحت الطاولة ومن خلف الكواليس، وتحول العراقيون بكل مكوناتهم وأحزابهم السياسية إلى شيع تختلف أكثر مما تأتلف، وكلما لاح في الأفق تقارب أو تفاهم تدخلت جهة من هنا أو هناك لا يسعدها ائتلاف العراق فأفسدت بأفعالها في الظلام ما ينجزه بعض المخلصين من العراقيين في الضوء.
المملكة العربية السعودية ليست مع طرف ضد آخر وإنما مع العراق الموحد القوي وضد الفرقة والفتنة، وهي تدرك أن الحوار والتفاهم مفتاح حل كل مشكلة مهما استعصت، لكن ذلك مرهون بتلاقي الجميع وطرح الهموم والتوجسات والاختلافات على طاولة النقاش علنا وليس من وراء حجاب ولا من خلال وسيط، ومن هنا جاءت دعوة عبدالله بن عبدالعزيز لكل المكونات السياسية العراقية لكي تلتقي وجها لوجه في الرياض، مؤكدا للجميع (أن وحدتكم وتضامنكم وتكاتفكم قوة لكم ولنا، ومدعاة إلى لم الشمل، والتحلي بالصبر، والحكمة، لنكون سداً منيعاً في وجه الساعين إلى الفتنة مهما كانت توجهاتهم ودوافعهم، ولتتمكنوا من إعادة بناء وطن الرافدين الذي كان وسيظل -بإذن الله- مع أشقائه العرب حصناً حصيناً ضد كل فرقة، أو فتنة، أو عبث لا يستفيد منه غير أعداء الأمة. إننا في بلدكم الثاني المملكة العربية السعودية نشاطركم كل ذلك، ونؤكد لكم استعدادنا التام لمد يد العون، والتأييد، والمؤازرة، لكل ما سوف تتوصلون إليه من قرارات، وما تتفقون عليه من أجل إعادة الأمن والسلام إلى أرض الرافدين.)، وليس من المناسب الآن الخوض في تحليل المواقف من دعوة المليك، أو الإشارة إلى من يرى في الدعوة إنقاذا للعراق ومن يجد فيها وأدا لمصالح شخصية ضيقة، أو مصالح دولية لا تتحقق إلا بالفرقة والفتنة. أقول ليس مناسبا، لأن الدعوة علنية واضحة المنطلقات، بينة الأهداف، فهي تنبع من الحرص على مصلحة العراق ومصلحة الاستقرار والأمن والنمو بالمنطقة كلها، وهي تهدف إلى وحدة العراق الآمن المستقر المتفرغ لنهضته ورخاء شعبه، وهي منطلقات وأهداف تخدم دول الجوار والمنطقة بأسرها، ولا شك أن كل من يلتقي مع هذه الدعوة في نبلها وسلامة أهدافها سيؤيدها ويستجيب لها، مستندا إلى مصداقية مطلقها ومواقفه الرائدة مع أمته العربية والإسلامية، ومستلهما مواقف المملكة التاريخية مع الأشقاء العرب والمسلمين في أحداث مشابهة من التاريخ القريب.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز قائد فذ تحكمه سلامة النية ونبل المقصد، ويقوده طموح لا يتوقف وعزيمة لا تلين في أن يصل بوطنه وأمته إلى مدارج العزة والقوة القائمة على قوة وعزة ووعي إنسانها، وقد وجد أن الحوار والتفاهم وتشريح المشكلات وتفكيكها علنا أفضل وأقصر الطرق إلى القضاء عليها، بدلا من تركها تنمو وتتجذر في ظلام التكتم والحذر والغمز واللمز. ومن هذا المنطلق جاءت دعوته المخلصة للعراقيين الذين لا مناص لهم من اغتنام الفرصة إن أرادوا لوطنهم الخروج من مأزقه.. وهذا هو المأمول.