كنت أتوقع أننا سنتقدم ونتطور ونجعل من الرياض أكبر مركز لتداول النفط في العالم، كنت أتوقع أننا سنجعل من الرياض وجهة أكبر الشركات الدولية المضاربة في بورصات النفط، والتي تعمل حاليا في نيويورك ولندن ودبي وعمان وطوكيو، فنحن أكبر دولة مصدرة للنفط، ومن أكبر الدول المنتجة له. كنت أتوقع أن نستعين بمزايا تساعدنا على التنافس في أسواق النفط العالمية، ونستعيد قوتنا في التأثير على أسعاره، ولكن يبدو أن الاقتراحات للنهوض بالاقتصاد تتمحور حول الحصول على الكاش السريع وحقوق امتياز، وليس التطوير والتحول وتنويع مصادر الدخل.
كنا نطالب في السابق بتنويع مصادر الدخل بالإضافة إلى دخل النفط، وما نراه الآن ليس فقط عدم تنويع لمصادر الدخل، بل زيادة مخاطر للمصدر الأساسي للدخل.
الإيرادات غير النفطية تأتي من الداخل مع أن أساس أموالها أتت من الخارج ضمن الإيرادات النفطية، فهي معتمدة كليا على إيرادات النفط ما لم تبدأ المملكة في تصدير سلع ومنتجات أخرى غير نفطية وغير بتروكيماوية، فالتغيير في مصدر الدخل الأول سينعكس على المصادر الأخرى.
النفط لا يعوض بأي مبلغ مالي، ولذلك يجب ألا نتقبل الاقتراحات التي تلامس حاجاتنا اليوم، فمن قدمها إنما يُسمع "مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية" اقتراحات جذابة – "الكاش السريع" – دون توضيح لحجم المخاطر المستقبلية، ولنتذكر يا "مجلسنا الموقر" أن النفط باق وسيعطي الكثير وإن كان بأسعار قليلة ومتفاوتة. يا مجلسنا الموقر، بيع أجزاء من أرامكو سيدخل معنا شركاء طوال السنوات القادمة ولمدى الحياة، وهذا ليس تنويعا لمصادر الدخل.
لو كان الحديث عن خصخصة معامل أرامكو وليس نفطها، فيصعب حاليا فصل المعامل عن الشركة بالكامل، ويسهل حدوث الخطأ إما لصالح المعامل أو لصالح الشركة، وفي كلتا الحالتين ستصبح عملية خاسرة لأي من الطرفين، فلن تكون هناك استمرارية لكلا الطرفين بما أن أحدهما سيخسر مثل تجربتنا مع خصخصة معمل بترورابغ الذي يعتبر من أفضل معامل أرامكو، والذي تم طرح أسهمه بـ 21 ريالا للسهم قبل 9 سنوات، وقيمته اليوم أقل من 10 ريالات للسهم، ولم يوزع أرباحا إلا (نصف ريال) طوال هذه السنوات التسع ولمرة واحدة فقط.
من الأفضل لأرامكو أن تخصخص معاملها التي تشترك بها مع شركات أخرى، والتي لديها قوائم مالية جاهزة ومعزولة عن أرامكو، وهي 7 معامل تكرير نفط وبتروكيماويات محلية، وتتراوح حصص أرامكو بها بين 25% إلى 63%، بالإضافة إلى معمل تكرير جازان الذي هو تحت الإنشاء ومملوك بالكامل لأرامكو. طبعا إن سمحت العقود مع هذه الشراكات فمن الأفضل أن تتنازل عنها أرامكو أو عن أجزاء منها مقابل "الكاش السريع" يصل إلى 20 أو 30 مليار ريال، فهي معامل قائمة وبعضها جديد، ومن السهل خصخصتها أو زيادة خصخصتها. أيضا، ربما أرامكو تخصخص خدماتها الهندسية وإدارة المشروعات، خدمات السكن، وربما أعمالا أخرى مشابهة.
دائما نتفاجأ بمحاولات لزيادة الإيرادات، ونستمر دائما في عدم وضع خطة واضحة لتنويع مصادر الدخل حقيقية ومستدامة، ولكن نأمل أن يكون ذلك قريبا، وقد يكون خبر إنشاء صندوق سيادي للمملكة أول الغيث. يا "مجلسنا الموقر" المقترحات التي تطرح على طاولتكم من أصحاب الفكر هي اجتهادات تلامس حاجة البلد وتُطرِب المسامع، ولكن لا تراعي كثيرا الرؤية لمستقبل الوطن.