أقوى سلاحين اليوم لأي دولة هما (الاقتصاد والإعلام)، وهما كما قال نقاد الأدب عن اللفظ والمعنى، كشقي المقص يستحيل أن يقطع أحدهما بدون الآخر.

المملكة ناجحة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، لكنها فاشلة بامتياز في التعليق على الأحداث الخارجية، لذلك فإن العالم معذور حين لا تصله رسالة قوية توضح له قوة المملكة في الاقتصاد والسياسة والقوة العسكرية، فهذا العالم يتعرض لطوفان إعلامي متنوع وليس أمامه سوى التصديق طالما لا يوجد ما ينقض ما يتلقاه، ولماذا لا يصدق ما دام أن الرسالة التي وصلته لا غبار عليها!!

الإعلام والمال السري يسميان (القوة الناعمة)، ولا شك أن إيران بارعة في استخدام هذه القوة، بينما نحن، ونحن أصحاب حق، لا نجيد استخدام هذه القوة، أو أننا غير مقتنعين بها، أو أنها مؤجلة، وعلى أي احتمال فنحن فاشلون تماما في استخدام والاستفادة من هذه القوة التي يستفيد منها العالم كله، وينفق عليها أكثر من إنفاقه على السلاح!!

إن السبب في فشلنا في هذه (القوة الناعمة) هو وزارة الخارجية، والإعلام، اليوم سأتحدث في الميدان الخارجي، فوزارة الخارجية تعين سفراء من باب المجاملة وجبر الخواطر، فهذا وزير سابق، وهذا عسكري متقاعد، وذاك موظف كبير يستحق التكريم، وهكذا، بينما الذين تربيهم وتعلمهم الوزارة في عمادة السلك الدبلوماسي بالعشرات، لكن لا تلتفت لهم الوزارة ولا غيرها، ولهذا فسفراؤنا في الخارج متقوقعون على أنفسهم، لا يحبون التعرف على فعاليات الدولة التي يعيشون فيها ولا الإعلام ولا المجتمع، فهم في أبراجهم العاجية، وهم محقون لأنهم لم يتدربوا على واجبات السفير ودوره، بل إن بعضهم وجدها فرصة للثراء والغنيمة، وأحدهم يرسل كل شهرين أو ثلاثة سيارة (bmw) إلى أحد أقاربه في القرية، وهو منع جميع موظفي السفارة من أي اتصال إلا بإذنه، والآخر باشر حديثا، وفورا طلب نقل وتغيير عشرة موظفين لأنه يريد جددا يتعلمون معرفة البلد معه، وهكذا غالبية السفراء لأنهم لا يعرفون مسؤوليات ولا دور السفير، وهم غالبا ملّوا العمل ويشعرون بأن الدولة تكرمهم بتعيينهم سفراء، وأنهم غير مكلفين بأي دور، وهذه طبيعة أي متقاعد !!.

الأيام الماضية كتب وزير خارجية إيران مقالا في أهم الصحف الأميركية، وتداولته وسائل التواصل والتأثير في العالم كله، وتمت ترجمته إلى مختلف اللغات، وهو كان يكذب ويحسن صورة بلاده، لكن ليس كل العالم يعلم ما أعلمه من كذبه، ولهذا كان المفروض أن يبادر وزير الخارجية وهو يجيد الإنجليزية تحدثا وكتابة ببراعة، فيكتب مقالا ينقض فيه أكاذيب وزير خارجية إيران، ولو كان لدينا سفراء يشعرون بأن الرد واجب وجزء من مسؤوليتهم لرأينا عددا منهم يتبارون في نشر مقالاتهم بمختلف اللغات، لكنهم صامتون ومشغولون بالامتيازات التي لا يسألهم عنها أحد!!.

بلادنا مظلومة بإمكانياتها الضخمة التي لا تستفيد منها، بل قد تتضرر منها كثيرا، والسبب هو عدم الاستفادة من الكفاءات الوطنية الكثيرة جدا ومن الجنسين، فهي كفاءات مؤهلة عاشقة لوطنها، وقيادته، متوثبة لخدمته، ولا تحتاج سوى الفرصة التي دونها متاريس كبرى من الذين عمروا وعششوا وتوغلوا في مختلف الوزارات، ولن يسمحوا للهواء النقي بأن يحلق في أجوائها، وما لم يتم اجتثاث هذه المتاريس فلن نتطور ولن يأخذ الوطن فرصته الطبيعية لإثبات وجوده الحقيقي بين أوطان الأرض، وبكفاءة أبنائه وبناته الذين علمهم وأنفق على دراستهم داخليا وخارجيا، وأصبحوا جاهزين لخدمته، لكنهم وجدوا المتاريس الانتهازية تحول بينهم وبين واجبهم، فاجتثوا المتاريس ينهض الوطن!!