كشفت دراسة حديثة أن معدل الخمول بين الشباب في المملكة يقارب 75%، مشيرة إلى أن تلك النسبة تتطلب اتخاذ خطوات وإجراءات لإثارة دافعية الشباب للالتحاق بالعمل، وفي إطار ذلك انتقدت مجموعة من الظواهر السلبية التي تؤدي إلى هذه النتيجة مثل التوصيل المجاني، وتعيين الشركات الشباب في وظائف طرفية، والصورة النمطية للعامل.
تدريب مهني
بينت دراسة حول "اتجاهات طلاب المرحلة الثانوية نحو التدريب التقني والمهني"، أعدها أستاذ الإدارة والإشراف التربوي في كلية التربية بجامعة الملك سعود الدكتور محمد بن عبدالله الزامل، أن "الدراسات المتخصصة في سوق العمل تؤكد الحاجة لدفع الشباب إلى التخصصات المهنية الإنتاجية أكثر بكثير من حاجتنا إلى الوظائف الإدارية أو التوجيهية".
وأضافت الدراسة ـ التي أجريت على 6 آلاف طالب بالمرحلة الثانوية بمدارس التعليم العام ـ أن "التحاق الشباب السعودي ببرامج تدريبية تقنية ومهنية سيسهم في تقليص نسبة الخمول بينهم، ويعزز فرصهم في العمل، وتلبية متطلبات السوق، لمواكبة معدلات التنمية الاقتصادية والمنافسة في سوق العمل". ودعت الدراسة إلى أن تكون الفلسفة التعليمية حريصة على تأكيد دور المواطن في تنمية مجتمعه، مشددة على أن التعليم المهني والتقني لا يمكن تجزئته عن النظام التعليمي، لأنه يجعل الفرد قابلا للعمل في مجموعة من المهن، ويزيد من فرص الخيارات أمام الطالب، ويدعم التعليم العام.
طالبت الدراسة بتكثيف التوعية من خلال برامج كليات ومعاهد التدريب التقني والمهني، وتعريف الطلاب بفرص التوظيف المتاحة والعائد المادي الذي يوفره السوق لخريجي برامج التدريب التقني، لتحفيز الطلاب على الانخراط في تلك التخصصات.
التوصيل المجاني
يقول استشاري أول بالطب النفسي بمركز الجامعة الطبي الدكتور أسامة النعيمي إن "خفض نسبة الخمول تتطلب أولا إعلاء قيمة وأهمية العمل الفني واليدوي من خلال الدورات المهنية بالمدارس، والاحتفاء بالنماذج الوطنية من المهنيين في الإعلام والمدارس، لتعزيز فكرة العمل لدى الطلاب، وإزالة حاجز الدونية والخجل من هذه المهن".
وأكد على "ضرورة أن يبدأ المجتمع بمحاربة فكرة "التوصيل المجاني" والاعتماد على الآخرين للقيام بأصغر وأسهل الوظائف، وهذا يعتمد بشكل أكبر على الأسر ممثلة بالأم، كونها المعلم الأول في حياة الطلاب، وكذلك المدرسة، بحيث يتربى الطفل منذ نعومة أظفاره على أفكار العمل اليدوي، والاهتمام بالنفس، والمحافظة على اللياقة البدنية، والقيام بالأعمال المهنية البسيطة، لتصبح مستقبلا بدائل مناسبة في سوق العمل".
تعزيز الحركة
يرى النعيمي أن "المجتمع مقصر في تعزيز فكرة الحركة لدى الشباب، فلا توجد أندية متخصصة، أو ملاعب شعبية، أو حتى مسارات مشي آمنة في الشوارع، مما يدفع الشباب للامتناع عن ممارسة الرياضات، أو المحافظة على الصحة البدنية، بحجة عدم توافر المتنفس المناسب لمثل هذه الفعاليات".
وقال "إننا لا نلزم الشركات الاستثمارية الكبرى بدعم تدريب وتوظيف الشباب في وظائف مهنية فنية، حيث تكتفي بتعيين كفاءات محلية في وظائف إدارية أثبتت اللجان التفتيشية أنها وظائف طرفية غير محورية"، مشيرا إلى أن إلزام هذه الشركات بدعم ملاعب ومتنزهات، وترك الإشراف عليها لكوادر محلية بعد تقديم التدريب الكافي لهم، سيلعب دورا كبيرا في تقليل الخمول، وتعزيز قيمة العمل المهني.
صورة نمطية
شدد النعيمي على أهمية مساهمة الإعلام والأسرة والمجتمع بزرع بذرة الاعتداد بالعمل، وإلغاء فكرة التعالي على العامل، وربط متطلبات التخرج بصورة الشباب العامل لإخفاء الصورة النمطية الراسخة عن هذه المهن، ويقول "عندما تختفي صورة العمالة المقيمة من الدعايات والإعلانات، وتوضع بدلا عنها صورة الأسرة المتكاملة التي يتقاسم أفرادها أعباء المنزل، وعندما يحصل الطفل على التثقيف اللازم لأهمية دوره في المجتمع، وأن ما سيقوم به من عمل مستقبلي سيوفر له حياة كريمة، ويسهم في دفع عجلة التطور في البلاد، وقتها فقط ستنخفض نسبة الخمول".
وأكد استشاري الطب النفسي أن "تحفيز العمل المهني يجب أن لا يقتصر على الأهمية المادية، بل يسبق هذا الإشارة للمهن اليدوية بالاعتزاز والافتخار، كونها تحمي الشباب من الركون للخمول والبطالة"، مشيرا إلى أن القرارات العليا يجب أن تسهم في تثبيت فكرة العمل اليدوي والدراسة التطبيقية الفنية، وتسهل انخراط الشباب فيها.