قبل عام من الآن جاءت بيعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لتشكل بداية زمن عربي جديد .. اتسم بالحيوية الشبابية القادرة على العمل ليل نهار لاستعادة الذات وملء الخواء الاستراتيجي الذي شكّل سمة مرحلة طويلة من حياتنا السياسية .. تابعنا هذه البيعة والتحوّل الكبير بشيء من التّرقّب والحذر بسبب إحباطنا ويأسنا الذي أصبح ثقافة عامة تحكّمت في تفكيرنا وتوجّهاتنا ..

قبل عام من الآن كان العرب يعيشون حالاً من التفكك والخواء الاستراتيجي .. وكانت الدول والمجتمعات عرضة للاختراق والتهديد الداخلي والخارجي .. وكان النظام العربي الرسمي في حالٍ من الانقسام حتى داخل المجموعات الأكثر تماسكاً .. وكانت النزاعات العربية العربية ظهرت إلى العلن وتباعد الأشقاء حتى على أبسط الأمور .. وطالت هذه الظاهرة التّجمعات المميزة ..

وشاهدنا بوضوح كيف أنّ العرب عربيون في كلّ موضوع ومجال .. وسادت حال من الفزع والانهيار للمؤسسات العربية الجامعة .. من جامعة الدول إلى الاتحادات الناجحة، وذلك بسبب السياسات الخارجية التي تحكّمت في السياسات العربية الداخلية والخارجية في آن ..

كتبنا مرات عديدة ومعنا العديد من الزملاء عن حال العرب آنذاك.. ولا نكذب إذا قلنا بأنّنا استسلمنا لليأس في أن يعود العرب سياسياً إلى التواجد في الساحات الإقليمية والدولية بعد أن تفكك العراق وسورية وليبيا واليمن .. وسيطرت القوى الخارجية وأدواتها على أكثر من بلد عربي عسكرياً وسياسياً.. ودخلنا في زمن من الضياع وتقاطر المشردين العرب على الدول والشطآن .. وظهرت التنظيمات الإرهابية والدول الوهمية..

قبل عام من الآن كانت صورة العرب أمام أنفسهم وأمام العالم لا تدعو إلى الفخر والاعتزاز .. لا بل ذهب الكثيرون إلى الخروج على عروبتهم وانغماسهم في تجمعات طائفية انعزالية تعمل على تفكيك الدول والمجتمعات في آن .. ووجدت هذه الجماعات في إيران وبعض الدول العظمى حاضناً وراعياً وممولاً ومشجعاً على وظيفتها التدميرية التي تقوم على إثارة الفوضى والخراب في الوطن العربي الكبير دون رادع أو رقيب ..

جاءت عاصفة الحزم بمثابة الصاعقة على العقل العربي المحبط والمشتت إن لم نقل المدمر .. واستفاق العرب على إرادة غير مسبوقة وغير متوقعة .. جاءت عاصفة الحزم قبل أيام من انعقاد القمة العربية السادسة والعشرين في مصر .. ووضِع الجميع أمام مسؤولياتهم .. فكانت الخطوة الأولى نحو إعادة الأمل إلى التضامن العربي ومؤسساته من مجلس التعاون الخليجي الذي كان قد شهد بعض التباين بين أعضائه.. وإلى مجلس الجامعة الذي كان منشغلاً بتبريرات الفشل والانكفاء عن مواجهة التداعيات في سورية والعراق وليبيا ولبنان ..

بدأ زمن عربي جديد مع خادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبدالعزيز، وهو مواجهة العرب مع أنفسهم أولاً ومعالجة أسباب عجزهم وضعفهم وتفرقهم التي أدت إلى تجرؤ أعدائهم عليهم وعلى أوطانهم ومجتمعاتهم ..

كان العام الأول من بيعة خادم الحرمين الشريفين أكثر من عام حيث تعاظمت التّحديات والمواجهات .. وكان آخرها المواجهة العربية الشاملة مع إيران وغير إيران .. وعودة الحياة إلى مؤسسات العمل العربي المشترك التي اتّسمت بالحزم في اجتماعاتها الأخيرة وقراراتها والوقوف صفاً واحداً في مواجهة تحدياتها الداخلية والإقليمية والدولية ..

ونستطيع أن نقول إنّ زمناً عربياً جديداً بدأ مع سلمان ووضع الحكام العرب والمؤسسات العربية الفكرية والإعلام العربي أمام مسؤولياتهم التاريخية والانتصار لأنفسهم وشعوبهم وأوطانهم .. وهو يضعنا جميعاً في حال مساءلة يومية عن مبادراتنا الفردية والجماعية ولا يعفي (المؤسسات الثقافية والقطاع الخاص والمؤسسات التربوية والإعلامية).. من السعي إلى التلاقي والتفاكر والنقاش واستشراف الحلول والخطوات اللازمة للحفاظ على هذه اللحظة التاريخية التي أسست لها قيادة الملك سلمان.. بالحزم ولمّ الشّمل العربي وإعادة الأمل للإنسان العربي بمستقبله وسيادته على أوطانه ومجتمعاته ..

كانت سنة صعبة وحادة وخطواتها كثيفة ومتراكمة في كلّ مجال شهدنا تجلّياتها في القرارات الأممية التي صدرت بخصوص اليمن وسورية واحتواء العراق في الحضن العربي تدريجياً .. مع الحديث عن القوة العربية المشتركة والتّحالف الإسلامي .. والحيوية السياسية والدبلوماسية والأمنية في كلّ اتجاه.. وعلينا أن نجعل من هذه اللحظة الاستثنائية زمناً مستداماً من الإنجاز والعمل والنّجاح .. على مستوى الحزم والتضحيات التي قدمها خادم الحرمين الشريفين والمملكة.. ونستطيع القول إنّه زمن عرب سلمان بامتياز ..