يبدو أن هناك دوافع متعددة وراء الهجوم الذي شنه تنظيم داعش في مدينة إسطنبول التركية يوم 12 يناير الجاري. أولاً، من خلال وقوع التفجير في قلب وسط المدينة القديمة -التي تضم العديد من المساجد والمتاحف والسياح، لكن عددا قليلا من الأتراك- استهدف التنظيم صناعة السياحة المربحة في البلاد ودخلها الذي يصل إلى 30 مليار دولار سنويا. وقد قتل عشرة أشخاص على الأقل في التفجير الانتحاري، جميعهم من السياح. وإذا استمرت هذه الهجمات فسيكون لها تأثير ضار على صناعة السياحة من جانب، وعلى ميزان المدفوعات في البلاد من جانب آخر.

ثانياً، من خلال جلب الحرب إلى أكبر مدينة في تركيا، يهدف تنظيم داعش إلى تقويض الحملة الأميركية - التركية المخططة ضد قواته في سورية، والتي من المقرر أن تبدأ في غضون أسابيع وفقا لبعض التقارير.

ويكمن الهدف الواضح من الخطة المشتركة في الاستيلاء على ممر "جرابلس - اعزاز" على طول الحدود السورية والذي يمتد مسافة 60 ميلا (حوالي 100 كيلومتر)، ومعظمه يقع حاليا تحت سيطرة تنظيم داعش. وإذا ما نجحت الحملة فإنها ستغلق بشكل فاعل آخر ممر بري للجماعة الإرهابية من سورية إلى تركيا وأوروبا.

وتدرك قيادة تنظيم داعش جيدا أن مثل هذا التطور من شأنه أن يضر بالموارد المالية للجماعة، وجهود التجنيد التي تقوم بها، وهيبتها، لذلك يبدو أنها قد تصرّفت بصورة استباقية على أمل أن تتراجع تركيا عن القيام بعملياتها ضد التنظيم، أو على الأقل لا تزيد من جهودها العسكرية.

ومن خلال الحفاظ على الهجوم الذي وقع في إسطنبول بصورة محدودة نسبيا -على الأقل بالمقارنة مع عملياته الكبيرة في باريس وأماكن أخرى- من المرجّح أن التنظيم يريد أن يشير إلى أن بإمكانه أن يلحق ضررا أسوأ بكثير داخل تركيا، إذا شنت أنقرة حربا شاملة ضده بالاشتراك مع واشنطن.

ثالثاً، بينما قد لا يكون تنظيم داعش على علم بجنسية الناس الذين استهدفهم، إلا أنه شن الهجوم بصورة متعمدة في منطقة يتم ارتيادها بشكل كبير من قبل السياح الأوروبيين الألمان وغيرهم. وبالفعل، قُتل على الأقل تسعة أشخاص ألمان. لذلك يبدو أن الجماعة الإرهابية عازمة على إثارة المشاعر المعادية للمسلمين في القارة الأوروبية، وإنماء رد فعل عنيف ضد سياسة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الموالية للاجئين. وإن أي رد فعل من هذا القبيل يعكس حالة من المفارقة المُحزنة، لأن العديد من اللاجئين الذين سمحت ميركل بدخولهم إلى ألمانيا يفرون من وحشية تنظيم داعش في سورية.