"الفرصة الوحيدة لإنجاح التهدئة في سورية تمر عبر إنشاء مراكز آمنة على الحدود السورية التركية، وفرض حظر لطيران نظام الأسد فوق المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المعتدلة ويقطنها مدنيون. هذا إذا كان العالم يريد بالفعل وقفا للقتال المتزايد منذ خمس سنوات".

كانت تلك هي خلاصة التحليل الذي اتفق عليها المحلل السياسي بصحيفة نيويورك تايمز، أندرو جي تابلر، والباحثة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى، آنا بورشفسكايا. حيث أشار تابلر إلى ضرورة فرض مناطق آمنة على طول الحدود السورية، لضمان حياة المدنيين الفارين من أعمال العنف والإبادة، مشيرا إلى أن تلك الخطوة سوف تسهم في إبقائهم داخل حدود بلادهم، إذا توفرت لهم شروط الإقامة الآمنة، وهو ما يساعد بدوره على تجنب وصول متطرفين إلى أوروبا، يمكن أن يندسوا وسط اللاجئين، على غرار ما أثبتته التحقيقات في الهجمات التي شهدتها فرنسا أواسط نوفمبر من العام الماضي، ومن بعدها تفجيرات سان برناردينو بالولايات المتحدة.


 


متطرفون في ثياب لاجئين

يقول تابلر: "مع إشارة المسؤولين في الاستخبارات الأميركية إلى اختراق تنظيم داعش لموجات اللاجئين الضخمة المتجهة إلى الغرب هذا العام، حان الوقت لقيام واشنطن بمساعدة الدول المجاورة لسورية على معالجة الاحتياجات الإنسانية للذين فروا إلى هذه البلدان". وتتجلى الخطوة الأولى الأفضل لمواجهة تهديد المتشددين في قيام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو" بحماية المدنيين في المناطق العازلة الموجودة بالفعل على طول الحدود السورية ورعايتهم. وفيما مضى تسببت المخاوف بشأن وجود متطرفين بين صفوف اللاجئين في قيام الأردن بإغلاق حدودها العام الماضي، ورعاية اللاجئين بالمناطق العازلة التي بنيت في الأرض المحايدة بين الحدود السورية والأردنية. ولكن لأن هذه المناطق لا تزال تفتقر إلى الاحتياجات الأساسية لمخيمات اللاجئين المناسبة، يمكن لهذه المناطق، إذا تم تحسينها بشكل كبير وضمان أمنها، أن تشكل قاعدة للجهود الرامية لحماية السوريين ورعايتهم".

ويستدرك تابلر بالقول: "إن في ظل ازدياد حدة التوتر بين روسيا وتركيا، إثر عملية إسقاط الطائرة الروسية، أواخر العام الماضي، فإن زيادة هذا الردع يحتاج إلى دعم من الولايات المتحدة، وحلف الناتو، ليس على صعيد المجال الجوي فقط، بل على أرض المعركة أيضا". وفي وقت لاحق، يمكن لهذه المناطق أن تكون بمثابة قاعدة لممرات إنسانية إلى المناطق المحاصرة من حلب وأماكن أخرى، وذلك بدعم من الإنزالات الجوية.





 


استعادة الهيبة الضائعة

بغية إنشاء مناطق آمنة وصالحة للحياة في سورية، من المرجح أن تحتاج الولايات المتحدة إلى استخدام مناطق حظر جوي تتحدى الدفاعات الجوية الروسية وتضمن رصد جميع المعابر المؤدية إلى المناطق. كما ستحتاج واشنطن لحملات على الإنترنت وأخرى إعلامية مكثفة تستهدف الإجراءات التي يقوم بها نظام الأسد، والتي تؤجج أزمة المهاجرين، وتواجه جهود التضليل الروسية الهادفة إلى التأثير على الرأي العام الدولي.

ولتأكيد "الهيبة الضائعة للولايات المتحدة"، حسب تعبير بورشفسكايا، لابد من دعم المناطق الآمنة، بحظر طيران جوي معززة عسكريا، وأن يعلن البنتاجون "عن خطوط حمراء واضحة"، لا يمكن لروسيا تخطيها، ودعم كلامه بإجراءات إذا ما حاول بوتين اختبارها. وعلى أرض الواقع، ينبغي على أعضاء التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة رصد جميع نقاط التفتيش المؤدية إلى المناطق الآمنة. وعلى المنظمات الإنسانية مثل الصليب الأحمر، أن تشرف على المساعدات الإنسانية بطريقة بحيث لا يمكن معها لروسيا تسليم أي معونة من دون انخراط المنظمة المعنية. أما جيوش الدول الغربية فيتوجب عليها تكريس موارد أكبر بكثير وعدد أكبر من الجنود لمواجهة الحرب الإلكترونية الروسية.




تضارب التصريحات الروسية

تتشكَّك بورشفسكايا في نوايا روسيا حول تطبيق الهدنة بالفعل، أو استمرارها، مشيرة إلى أن الضغوط الدولية ربما أرغمتها على التظاهر بقبولها، مستشهدة بعدد من تصريحات المسؤولين الروس في هذا المجال. وتقول: "في 13 فبراير الماضي، صرّح رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف، خلال مؤتمر ميونيخ بأن بلاده لا تنوي إنهاء حملة القصف التي تشنها ضد الثوار السوريين. ووصف في تصريحات لصحيفة تايمز عناصر المعارضة المعتدلة بأنهم جميعا "قطّاع طرق وإرهابيون".

وتضيف قائلة: "في 11 من ذات الشهر قال نائب وزير الخارجية الروسي، أوليغ سيرومولوتوف، في تصريح صحفي: إن الكرملين سيعتبر أي محاولات من جانب قوات التحالف الدولي لإنشاء مناطق آمنة على الحدود التركية السورية، دون موافقة الأمم المتحدة ونظام الأسد بمثابة تدخل عسكري مباشر".

وتدافع بورشفسكايا عن فكرة المناطق الآمنة بقولها: "يمكنها أن تحد من الأزمة الإنسانية في المنطقة، وتمنع التدفقات الكبيرة للاجئين المزعزعة للاستقرار من اكتساح تركيا وأوروبا. كما ستساعد في مكافحة تنظيم داعش، وتعزيز الموقف الغربي في سورية، مما سيحقق التوازن مع التحالف الروسي الإيراني".