من أكثر الثقافات قربا إلى الروح الإنسانية، الثقافات الشرقية ذات العمق البعيد المؤثر في ذات الإنسان وكيانه، وأجمل ما أتت به إلينا أو أخذتنا إليه، هو القدرة على اختراق صوت الصمت البشري، بدءا من الإنسان الأول ومرورا بالإنسان الأخير الذي نحيا عصره بامتياز.
من وحي ذلك الإرث رسالة مفادها تقول للإنسان الأخير؛ إذا لم تكن قادرا على أن تعيش ما يحدث قبل الموت، فكيف ستكون قادرا على التعامل مع ما سيأتي بعد الحياة؟
أتساءل: ما الذي غطينا أنفسنا به في عري العالم من حولنا. عري الروح من قيمها، وعري الذات أمام وحش المدنية والآلة والمادية.
إن لم تزهر ذات الإنسان فلن تنبت الحياة في عالمه، وسيظل مثل شجرة عاقر كل ما فيها سيتكسر باستثناء قطرة الحب التي تحيا بها الأرض والبشر.
فحين يعير برعم نفسك أذنه إلى ضجيج العالم، ويستجيب للصوت الزائر "للوهم الكبير"، عندما ترتعب نفسك من رؤية الدموع الحارة للألم، وتلتجئ وقد أصمتها صيحات الأسى كسلحفاة خجولة إلى قوقعة الأنانية، فاعلم أن نفسك ليست جديرة إلا بالصمت.
هذه الأرض هي قاعه الألم. ههنا وعلى طول درب التجارب القاسية مزروعة الفخاخ التي تسعى إلى ربطك بوهم القوة، وهذه الأرض أيها المغيب ما هي إلا المدخل الوحيد الموصل إلى الغسق الذي يسبق وادي النور الحقيقي. النور الذي لا يمكن لأحد وُلُوجه، والمشتعل دونما فتيل أو وقود.
لا تدع الشمس الحارقة تجفف دمعة الألم قبل أن تحاول مسحها عن العينين المفجوعتين. لكن دع كل دمعة إنسانية تقع حارقة على قلبك، وأبقها ولا تمسحها قبل أن تزيل الألم الذي تسبب فيها.
فهذه الدموع أيها الإنسان ذو القلب الرحيم هي الجداول التي تسقي حقول الإحسان الخالد، فعلى هذه الأرض تنمو زهرة الرحمة في منتصف الليل. تلك التي إيجادها أصعب وتأملها أندر.
هذه البذرة هي تلك التي تعزل الذات عن الصراع والطمع، وتقودها عبر طرق الحياة نحو السلام والغبطة.
وحدها معرفة النفس يمكن أن تؤدي إلى السلام الداخلي، إذ لا ينبغي للذهن أن يركز على أي شيء، فلا يمكن رؤية القلب مباشرة دون سكينة الذهن المطلقة.