(سلمان القوة والتحديث)، هكذا جاء العنوان الرئيس لملحق هذه الصحيفة أمس بمناسبة الذكرى الأولى لبيعة الملك سلمان، والملحق كان متميزا شكلا ومضمونًا، بل ومتفردا بمهنية رائعة بين أقرانه التي صدرت بالمناسبة، أما عدد الصحيفة فقد احترم ذاته المهنية كصحيفة يومية ينتظرها قراؤها، فتكاملت ميزتا المهنية في الملحق والصحيفة، أما العنوان فهو معبر دال عميق، وأضيف إلى القوة والتحديث الطمأنينة، فالملك سلمان حفظه الله بث في شرايين الوطن وعروقه المستقبلية روح الطمأنينة بتعيين الشابين محمد بن نايف وليا للعهد ومحمد بن سلمان وليا لولي العهد، وهما من الكفاءات المتميزة الكثيرة من أحفاد المؤسس العظيم رحمه الله، وفوق أن هذا التعيين جدد شباب الدولة، فإنه بث الطمأنينة على مستقبل الوطن ليس بالنسبة للمواطنين وإنما أيضا بالنسبة للعالم كله، فالمملكة دولة محورية كبرى في اقتصاد العالم، وسياستها ومواقفها مؤثرة، وكلمتها مسموعة، وسياستها جوهرية في إدارة أي شأن عربي أو إسلامي أو عالمي، ولهذا فإن مستقبلها تتجاوز أهميته مواطنيها إلى الساحة العالمية كلها، وامتدادا لهذا الأثر وتلك الأهمية جاءت قرارات وإنجازات الملك سلمان داخليا وخارجيا، وقد كفتني الوطن في ملحقها أمس حين عددت تلك الإنجازات بوضوح موجز مرتب تسهل قراءته وفهمه ويسهل استقراؤه، ولأن الشأن الخارجي واضح وساطع والعالم كله يعرفه، وكذلك الداخلي، فالمواطنون والمقيمون جميعا يلمسونه ويتعايشون معه ويجنون فوائده، فإنني سأتوقف قليلا أمام شخصية الملك سلمان التي أزعم أنني أعرف كثيرا من جوانبها، فهو حفظه الله كما أظن ولمست ذلك بنفسي يكاد يعرف كل شبر في المملكة وكل شيوخ قبائلها وأعيانها وعوائلها، وأتذكر أنني كنت ذات يوم أسلم عليه في مكتبه بإمارة الرياض أيام كنت رئيسا لتحرير البلاد 1997م فطلب مني مقالا نشرته الصحيفة قبل هذا التاريخ بنحو ثلاثين سنة وذكر عنوانه واسم كاتبه، فذكرت له أنني سأبلغ (الأستاذ أمين قرقوري) مدير عام المؤسسة آنذاك لعله يساعدني في استخراج المقال من الأرشيف، فأسهب الملك - أمير الرياض آنذاك - في الحديث عن عائلة القرقوري وعن الشيخ محمد سرور الصبان الذي عرفت منه أن القرقوري عمل معه سنين طويلة.

ومرة كنت في مجلسه المفتوح بالإمارة فقدم ثلاثة من بيشة لهم مطلب، فسألهم بالاسم عن شيوخ القبائل وعن الأودية التي مروا بها، وذكر لهم مسايل ومصبات تلك الأودية، واستطرد يصف شجرها ومنتجاتها وظروفها المناخية صيفا وشتاء، ومواسم أمطارها وجودة منتجاتها الحيوانية … الخ من معلومات لا يعرفها فيما أظن إلا المتخصصون في الجغرافيا والبيئة والتاريخ والأنساب.

وذات عتب قال لي: منذ متى وأنت في جدة؟ فقلت: منذ نحو ربع قرن؟ قال: وهل تلمس تغييرا حولك وفرقا بين ذاك الزمن الذي قدمت فيه وبين اليوم؟

قلت: بكل تأكيد، ورحت أصف اتساع جدة وضخامتها وقفزاتها المذهلة؟ فقال: وهل تظن جدة وحدها أم كل مدن وقرى المملكة كذلك؟ قلت: بل كلها، فقال: كيف تصدق البنك الدولي ولا تصدق نفسك؟ وانتهى العتب. وأنا أكرر: شكرًا شكرًا على هذا الدرس البليغ، وكنت يومها كتبت مقالا استندت فيه إلى تقرير سلبي للبنك عن التنمية في المملكة!! 

الملك سلمان دقيق المتابعة واسع الاطلاع سريع البديهة يتدفق إنسانية وتحيطه هيبة، ونظراته تقول أكثر من لسانه لمن يعي، حفظ الله قيادتنا ووطننا، وغدا فجر جديد وإنجازات سلمانية جديدة.