هو اسم مبادرة جميلة نظمتها العشرات من المساجد الفرنسية خلال عطلة نهاية الأسبوع، والتي فتحت أبوابها لتستقبل أتباع مختلف الديانات، فلبى الدعوة مسيحيون ويهود وبوذيون وهندوس، قاموا بخلع أحذيتهم عند أبواب المساجد، وأخذوا باكتشافها كالأطفال الذين نظمت لهم رحلة مدرسية إلى مكان مجهول تمنوا زيارته واقتحام أسراره منذ زمن بعيد، فبدؤوا بطرح أسئلة كثيرة ومتلاحقة عن الإسلام الذي بقي غريبا بالنسبة لهم، رغم انتشار المسلمين بينهم على مدى سنوات.
جاؤوا ليقفوا على سماحة الدين الإسلامي وثراء الحضارة الإسلامية وتاريخها، وليتأكدوا أن دينا كهذا لم ولن يكون يوما جزءا من المشروع الإرهابي الذي تروج له قوى الظلام، والذي اجتاح بلادهم على مدى عام كامل وما انفك يمتد بأذرعه الخفية إلى مناطق أخرى حول العالم، ولإضفاء رمزية أخوية على هذا التجمع تم توزيع أكواب الشاي الأخضر المعطر بنكهة النعناع الطازج لتحمل هذا الاسم الجميل "شاي الأخوة".
ومع أنني لا أؤمن بالخرافات ولا تستهويني حكايا المعجزات، إلا أنني شعرت بإكسير سحري قد امتزج بأوراق هذا الشاي ونشر رائحة من المحبة والتسامح بين الحاضرين ولو للحظات، تمنيت حينها لو أن هذا الشاي يوزع دوما في هذا المكان، وألا يكون مرتبطا بمناسبة أليمة نقف فيها كمسلمين موقف المدافعين عن أنفسنا في وجه اتهامات تنهال علينا من كل حدب وصوب.
تخيلت كم أننا كمسلمين بأمس الحاجة إلى احتساء هذا الشاي بيننا قبل أن نسقيه لغيرنا، وكم نحتاج إلى أن نفتح أبوابنا أولا أمام أبناء ملتنا على اختلاف مذاهبهم ومرجعياتهم الدينية والفكرية، لنعرف كم أن الخالق قد ميزنا عن غيرنا وجعل في اختلافنا هذا رحمة، وكيف أننا نشكل بهذا الاختلاف لوحة خلابة من الفسيفساء ما زالت تثري تاريخنا الإسلامي المعاصر كما أثرته على مدى قرون مضت.
بل شعرت كم أننا كعرب بأمس الحاجة إلى الجلوس معا واحتساء كوب من شاي الأخوة هذا، فلربما نفهم السبب الذي أدى إلى تفرقنا وتشتتنا في بقاع الأرض، وكيف أننا بتنا عاجزين عن اتخاذ موقف موحد تجاه دول وكيانات امتدت بأذرعها في عمق مجتمعاتنا، وحاولت العبث بنسيجها دون وجل أو خجل، كيف لا وهم من نجحوا في تقسيمنا إلى عرب شمال وعرب جنوب نتناحر فيما بيننا ونتبادل على مدى سنوات نظرات التكبر والفوقية والاستعلاء.
نظرات الخيلاء والعنصرية تلك لا تقتصر على عرب الشمال والجنوب فحسب، بل أصبحنا نلمسها بين أبناء الوطن الواحد مع الأسف الشديد، بين من يعتبر نفسه زرعا أصيلا يضرب بجذوره في أعماق هذه الأرض ويريدها حكرا له ولقبيلته، وبين من يرى غيره فرعا مكسورا دخيلا لا يحق له الصدح بانتمائه إلى نفس هذه الأرض التي جمعتنا على ثراها ولوحت سمرتنا بشمسها على مدى سنوات.
أغمضوا أعينكم وتخيلوا معي للحظة كم كوبا من شاي الأخوة السحري نحتاج إلى تقريب كل تلك المسافات، بل تصوروا كم من الأبواب الموصدة بيننا يجب أن نعمل على فتحها أولا لتجاوز خلافاتنا، وهدم الحواجز التي زرعناها بين أجيالنا طيلة أعوام مضت، دعونا نجتمع أولا تحت سقف واحد، وليس مهما حينها لو احتسينا الشاي أو القهوة أو حتى الكابتشينو، الأهم أن تعود الأخوة الحقيقية بكل ما تحمله من معان جميلة إلى قاموس أيامنا المثقلة بالفرقة والعداء.