قد تقابل شخصا من العراق فيخبرك بأن أسرته فيها خال شيعي، وعم سني من الرمادي، وزوجة سنية من كرد بغداد، بينما هو لا تشغله مثل هذه التصنيفات. في الواقع هذه هي العراق قبل مجيء أميركا إليهم، وقبل أن تقسم السنة والشيعة على أساس طائفي، ثم تصنف الكرد على أساس عرقي إمعاناً في التفريق، رغم أنهم استقبلوا جيشها بوطن واحد لا نبيعه.
هذه العبارة ذهبت أدراج الريح بعد أن قامت إيران بالفصل الثاني من المسرحية، وفجرت الحسينيات عبر عملائها من القاعدة الذين يعرف القاصي والداني أن قادتها آمنون في طهران، ثم أوعزت عندما بدأت الثورة السورية لعميلها المالكي فأطلق سراح الإرهابيين الذين ربتهم أميركا في أبو غريب. ومن يريد إثبات على ذلك فليستمع إلى مقابلة وزير العدل العراقي الذي اعترف بإطلاق الإرهابيين المحكومين بأمر حكومي، ثم ابتسم ابتسامة المقهور وهو يرد على سؤال لماذا من المذيع، ثم تلاه تسليم الموصل لداعش، وهذا ما أثبتت التحقيقات العراقية علاقة المالكي به لإذلال العراق أكثر أمام إيران بزعم احتياجه لها لمحاربة إرهابيي داعش.
إن هذا المخطط أو المؤامرة ستتم إعادتها مع كثير من الدماء والآلام.
للأسف عندما تدخل موقعا سنيا تجد شتائم تفوق الوصف، تطال الشيعة تصل إلى الأعراض والتخوين بسبب جرائم صفوية تقودها إيران وحزب الله، وفي المقابل عندما تدخل إلى موقع شيعي أو صحيفة أو صفحة فيسبوك تجد آلاف الشيعة يذكر بعضهم بعضا بتهديدات مختلقة، أخبرهم بها ملالي إيران تتحدث عن السعودية، وأنها مشغولة بهدم العراق.
السعودية التي وقفت داعمة للعراق ووحدته، ورفضت وسترفض تقسيمه ككل العرب. السعودية التي افتتحت سفارتها في بغداد رغم كل الأخطار كمحاولة لإقناع العالم بأن العراق عاد إلى الساحة الدولية، وسينجو من سلب أمنه من داعش وغيرها، يظن العراقيون أنها تريد انهياره بينما الدولة التي حطم مواطنوها خط الحدود، ودخلوا جماعات وجماعات بدون احترام لسيادته، الدولة التي قال مستشار رئيسها إن دولة فارس عاصمتها بغداد تريد أن يعود العراق إلى الوطن العربي العظيم، أي مغالطة للحقائق هذه؟
إن هناك حلا واحدا للنجاة من هذا المخطط التدميري، وهو حل لا يمكن أن يتم دون إشراك الشيعة العرب فيه، وتوعيتهم بالوضع الخطير الذي وضعنا فيه، وتوعية السنة، وكل طائفة تنتمي للشرق الأوسط، واعتبار الطائفي هو الخائن وهو المستحق للنبذ والإقصاء لا السنة أو الشيعة.
إن هذه التوعية ليست مسؤولية المنظرين والدعاة فقط، بل مسؤولية الحكومات العربية عبر تجريم الطائفية، وعد كل من يشعلها خائن خيانة كبرى حتى يقطع الطريق على تجار الكراهية.
ويجب أن يشمل القرار المساجد والحسينيات، فهي بلا جدال المكان المفضل لتجار الكراهية العالقين في زمان ليس زماننا، الذين يمتهنون تغييب الشباب عن واقعهم عبر قصص الوضاعين في العصر الأموي.
إن الدعاء على الآخرين في المساجد ليس فقط يؤذي من نرتبط معهم بوطن واحد، لكنه ينشر السلبية ويعمق الشعور بالإحباط بإغراق النفس في مستنقع الكراهية بدلا من أن يدعو الإمام بالخير والسلام لتمتلئ القلوب بالمحبة والسلام، مما ينشر الإيجابية ويدفع الإنسان إلى النجاح.
كما أن ذكر قصص عن معاناة آل البيت عليهم السلام، وادعاء أن أجيال هذا الزمن لها علاقة بما حدث لهم ادعاء ظالم، فحتى صلة القرابة لا تربط عرب الجزيرة العربية بمن خذل الحسين عليه السلام، فكيف بجيل القرن الواحد والعشرين؟ كما أن نشر الشعور بالمظلومية والغرق في الحزن، خاصة عندما يواجهه مراهق تنهدم حياته وتتحطم آماله وينشغل بمعاداة كل من لا يكون مثله، فلم الاشتغال بذلك عوضا عن منح الشباب فرصة التقدم والانشغال بالمستقبل.
لقد عنونت هذا المقال بأن الشيعة هم ورقتنا الرابحة لسبب مقالي موجه للسعوديين السنة، وهم الأغلبية أن يتقدموا نحو الشيعة أكثر في الوطن العربي كله، وليس في السعودية فقط بما تم لتعميق العلاقة بيننا، ولقد قطعت السعودية شوطا في ذلك، لكن للأسف هو مغيب إعلاميا، مثل تسيير رحلات من الأحساء إلى النجف لتسهيل تنقل الزائرين الشيعة وما سيتم ونتوقعه من التحول الوطني الذي انتهجه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان حفظه الله من تعميق أسس المواطنة والاستجابة لتوقعات المواطن من حكومته شيعيا كان أو سنيا.
إن الوقت يداهم العرب، وهو لا يعمل في مصلحتهم، ولقد شاهدنا في كل محاولة لإظهار حقيقة النمر الورقي الإيراني العدواني تتقدم أميركا لتلميعه ليشتد أكثر ويضرب وطننا العربي الكثير، وآخر محاولاته تمثيلية الزورقين الأميركيين.
في الواقع الله سيحفظ الأمة العربية، لكن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم على كل حال.