هوازن الزهراني


في كثير من الأحيان يتبادر إلى ذهني شيء من الخيال حول كيفية صنع أجواء عملية علمية واجتماعية أسرية وفي الوقت نفسه تكون ذات طابع معطاء يخدم المجتمع بتفان وإخلاص وبجهد جماعي وكأنه جسد واحد يخلو من جميع المشاكل.

كان ذلك في ذهني أو ربما أضغاث أحلامي. ولكن بعدما عشت في رياعين التجربة الإندونيسية تلاشت تلك الرؤية الضبابية إلى واقع يعكس الصورة الجميلة التي طالما عشتها في خيالاتي..

تم ذلك تلبيةً لدعوة كريمة تلقيتها من حرم السفير السعودي في إندونيسيا الشقيقة لتقديم ورش عمل تدريبية للأطفال والمعلمات في أكاديمية الحرمين بجاكرتا.. لتدريب الأطفال حول كيفية حماية أنفسهم من الاعتداءات، وصقل مهارات المعلمات وتطويرها.

عند زيارتي للأكاديمية، لأول مرة شعرت بالانتماء الأسري والمحبة والتآلف بينهم وكأنهم عائلة واحدة، لا بل كخلية نحل جسّدت روح فريق العمل الواحد بين جميع الكادر الوظيفي والتعليمي تهدف إلى ارتقاء البيئة التعليمية وزرع القيم الإنسانية قبل كل شيء.

فقد ذهلت بإبداعات وابتكارات الأطفال وتحفيزهم على الإنتاج والإبداع من قبل إدارة الأكاديمية ومن قبل أولياء أمورهم. حيث إن لكل مرحلة دراسية رحلة تطوير مستمرة طوال العام الدراسي تهدف إلى الارتقاء في المجال الإبداعي وترسيخ القيم الأخلاقية والإنسانية والدينية.

ومن أهم الأمور التي لاحظتها والكثير منا يفتقدها في المجتمع العربي خاصة، أن الطلاب من جميع الأطياف والفئات والجنسيات تحت سقف واحد هدفهم تعلم اللغة العربية والارتقاء بالمستوى التعليمي والعيش في جو التسامح والحب، وبلا شك أن تلك البذرة تم غرسها في البيت والمدرسة، ورغم أن تلك الأكاديمية يجتمع تحت سقفها أطفال أعضاء السلك الدبلوماسي من عدة جنسيات، والسعودية منها، إلا أن المخطئ يحاسب مهما كان جنسه حيث يعامل الجميع بسواسية.

الأجمل من ذلك هو الترابط الأسري، حيث تجد المعلم مع زوجته المعلمة يعملان بنفس المدرسة يتشاركون الإبداع وتحضير الوسائل التعليمية مع أطفالهم الذين يشاركونهم هذا الإنتاج العظيم،

بلا شك أن هذا الاستقرار النفسي والأسري يتولد منه الإبداع لدى المعلم والمعلمة، فتجربة أكاديمية الحرمين من أهم التجارب التي يجب طرحها في وسائل الإعلام ليتعلم منها الجميع. واليوم أطرحها لكم حتى نتعلم ويستفيد منها الجميع، وتمنيت أن أكون وابني ضمن هذا الصرح التعليمي الذي تعلمت منه تقوية صلة الأسرة بالمدرسة.

فعندما يستقر المعلم نفسياً تجده يبدع ويتألق وعندما تستقر المعلمة أسرياً نجدها بارعة في مجالها وستحتوي كل أطفال المدرسة بالحب والحنان. فسر إبداع الأكاديمية هو الترابط الأسري القوي.

فخلاصة التجربة استنتجت عدة أمور أتمنى من السادة المسؤولين تطبيقها في مجتمعنا:

1 - عدم إرسال المعلم والمعلمة إلى مدارس بعيدة عن مناطقهم، وكأنه نوع من العقاب.

2 - وجود المعلم أو المعلمة بنفس المدرسة التي يدرس فيها أبناؤهم هو رابط أسري عظيم يتيح للمعلمين تهيئة نفسية كبيرة مما يجعلهم أكثر عطاء.

3 - عمل ورش عمل مستمرة للطلبة وصقل مهاراتهم بكافة السبل التربوية وصقل الذات لتعليمهم القيادة مبكراً.

4 - اختيار الطاقم التعليمي بعناية شديدة، والجميع تحت طائلة المسؤولية في حال الخطأ.

5 - تحصين الأطفال من الثقافات الغربية الرذيلة التي تفشت بمجتمعاتنا عن طريق توعيتهم من خلال ديننا الحنيف بطرق مبتكرة يفهمها الطفل.

6 - إن تهيئة المعلم والمعلمة نفسياً ومعنوياً ومادياً جانب مهم جدا جدا لا يجب إهماله والتراخي فيه.

7 - إضافة مادة منهجية يدرس فيها الأخلاق فقط دون إعطاء الطفل واجبات دراسية إضافية، بحيث تكون عبارة عن حصة أسبوعية لتعليم الأخلاق وكيفية مخاطبة الآخرين دون ازدراء.

نهايةً .. أتفدم بالشكر الجزيل لأطفال أكاديمية الحرمين وكل المنتسبين لهذه الأكاديمية الأخلاقية. وأخص بالشكر حرم سعادة السفير السعودي، فقد جعلوا من حلمي حقيقة. وأتمنى رؤيته واقعاً عملياً في وطني.