تحدثت في مقال الأسبوع الماضي عن شرعية الهيئة بين الافتئات والكهنوت، وبينت أن الهيئة أداة عصرية للقيام بواجب الفرض الكفائي في شعيرة الاحتساب، ونوهت بعدم جواز الافتئات على الشريعة من رجال الهيئة، وعدم جواز الافتئات على الهيئة من المحتسبين الأهليين الذين يجب أن يكون دورهم مقتصرا على "التبليغ" فقط دون مباشرته؛ لأن السياسة الشرعية نظمت ذلك وحصرته في جهاز الهيئة، وفقا للوازم ومقتضيات الدولة الحديثة.
ويأتي مقال اليوم لنضع النقاط على الحروف بشأن "حدود" صلاحية الهيئة، وعدم جواز تجاوزها، باعتباره اعتداء على القانون والناس، وأيضا عدم جواز التقصير فيها، وذلك وفق الشريعة بأصولها وقواعدها ومقاصدها، والقانون "النظام" وفق تنظيم الهيئة الصادر بقرار مجلس الوزراء رقم 73 وتاريخ 16/ 3/ 1434 والمكون من 15 مادة، إذ نصت المادة "الأولى" على أن الرئاسة العامة تتبعها جميع الفروع، وأنها جهاز مستقل، وترتبط تنظيميا برئيس مجلس الوزراء، وبالتالي مرجعها رئيس السلطة التنظيمية والتنفيذية دون سواه من مؤسسات دينية سواء كانت للفتوى أو غيرها، ولأهمية الهيئة واهتمام الدولة بها جعلت المادة "الثانية" رئيسها العام بمرتبة وزير، ويعين بأمر ملكي تعزيزا لدوره؛ لأن مرجعه هو ولي الأمر "الملك" الذي عينه، ثم رئيس الحكومة "الذي يرتبط به" وليس من دونهما؛ وذلك حتى يقوم بواجبه بكل استقلال وقوة، والمادة "الثالثة" قننت تكوين هيئة فرعية في كل منطقة تشكل بقرار من الرئيس العام، ويلحق بها العدد الكافي من الموظفين والمفتشين والأعضاء والعاملين، وتنشأ مراكز للهيئات الفرعية بحسب الحاجة في كل مدينة ومحافظة ومركز للقيام بواجب اختصاصها.
ولأجل ألا يتدخل أحد في الهيئة من خارجها، أو يتحكم أحد عليها من داخلها، فقد نصت المادة "الرابعة" على أن الرئيس العام للهيئة هو المسؤول عن إدارتها وتصريف شؤونها والمرجع النهائي للهيئات الفرعية وليس غيره، مهما ارتقت وظيفته أو علمه سوى الملك ورئيس مجلس الوزراء بنص المادتين الأولى والثانية، على أن تكون صلاحياته "وفقا لأحكام هذا التنظيم والأنظمة الأخرى ذات الصلة"، كما له ما للوزير من صلاحيات في وزارته.
ولم يترك التنظيم النص على شروط ضامنة لكوادر بشرية مناسبة، إذ أوجبت المادة "الخامسة" أن تتوافر فيمن يباشر المهمات المنصوص عليها في هذا التنظيم من موظفي الهيئة 3 شروط: "أن يكون من ذوي المؤهلات العلمية المناسبة التي تحددها اللائحة التنفيذية للتنظيم"، ولكن للأسف مضت 3 سنوات ولم تصدر اللائحة حتى الآن مع قرارات مجلس الشورى بسرعة إصدارها، و"أن يكون من المشهود لهم بحسن السمعة ونقاء السيرة"، و"ألا يكون قد سبق أن صدر في حقه حكم جنائي في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة".
وأوجب التنظيم على الهيئة في المادة "السادسة" القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وحمل الناس على ذلك بالرفق واللين، والأخذ بالتي هي أحسن، مقتدية في ذلك بسيرة الرسول عليه السلام، وخلفائه الراشدين من بعده مع استهداف المقاصد الشرعية، وذلك "وفقا لأحكام التنظيم" وليس مطلقا حسب اجتهاد الهيئة رئيسا ومرؤوسين، وكذلك نصت المادة على "أن تتضمن اللائحة التنفيذية بيانا بالواجبات وطرق الأمر بها، وبيانا بالمحرمات والممنوعات وطرق إنكارها"، وهذا هو بيت القصيد الذي ننتظر تحققه منذ 3 أعوام، بإصدار اللائحة التي تأخرت للأسف الشديد.
والمادة "السابعة" نصت على تولي الهيئة مهمة الأمر بالمعروف والنصح والإرشاد بالتزام الواجبات الشرعية والنهي عن المنكر والحيلولة دون ارتكاب المحرمات والممنوعات وفقا للمادة "السادسة"، ودون إخلال بما ورد في المادة الثامنة، وكذلك تحدد اللائحة التنفيذية لهذا التنظيم "الإجراءات والتدابير والضوابط" اللازمة لذلك.
ونصت المادة "الثامنة" على قيام الهيئة "وفقا للأحكام والإجراءات المنصوص عليها في نظام الإجراءات الجزائية" بضبط مرتكبي المحرمات أو المشتبه بهم في ذلك، بمساندة أفراد الشرطة المرافقين لها عند الحاجة و"تحدد اللائحة التنفيذية المهمات والضوابط اللازمة لذلك".
كما أوجبت المادة "التاسعة" على الهيئة بشكل فوري اتخاذ الإجراءات النظامية "حسبما تحدده اللائحة" في حق من يستدعي الأمر ضبطه وفقا للمادة الثامنة، وللهيئة وفقا للمادة "العاشرة" حق المشاركة في مراقبة الممنوعات المشمولة باختصاصها دون غيرها مع الجهات المختصة و"طبقا للأوامر والتعليمات" وليس ارتجالا، وتحدد اللائحة كيفية مشاركتها في ذلك، وفرضت المادة "الحادية عشرة" تزويد الهيئة بعدد كافٍ من أفراد الشرطة، كما أوجبت المادة "الثانية عشرة" على الجهات العامة والخاصة التعاون مع الهيئة، بما يحقق ما ورد في تنظيمها، وقررت المادة "الثالثة عشرة" صدور اللائحة التنفيذية وتعديلها بأمر من "رئيس" مجلس الوزراء وليس رئيس الهيئة ولا مجلس الوزراء، وفي هذا ضمانة لسلامة اللائحة وقوتها، إلا أن هذه المادة، وعلى خلاف العادة في التنظيمات والأنظمة الأخرى، لم تحدد المدة لصدور اللائحة التنفيذية وهذا خلل كبير، والدليل تأخر صدورها حتى اليوم لـ3 سنوات فكيف تمارس الهيئة عملها وفقا لتنظيمها الجديد دون لائحة؟!
وحلت المادة "الرابعة عشرة" بهذا التنظيم النظام السابق الصادر عام 1400، ويلغي كل ما تعارض معه، ونصت المادة "الخامسة عشرة" على نشر التنظيم في الجريدة الرسمية ويعمل به بعد 90 يوما من تاريخ نشره، وقد نشر في 12/ 4/ 1434 وما زال الجميع ينتظر صدور اللائحة التنفيذية التي طال غيابها!