تقاس النهضة الرياضية في أي بلد بمقدار ما تتمتع به جماهيره من وعي وتفاعل مدرك مع الأحداث والمناسبات, وبما يتمتع به من ثقافة وإدراك لرسالة الرياضة في المجتمع, فكلما جاء التفاعل متسقاً مع سلامة الفكر كلما كان الوضع الرياضي أكثر نضجاً ومساهمة في تحقيق النجاح.

وبدأت تجتاح أوساطنا الرياضية في السنوات الخمس الأخيرة موجة تعصب مقيت تضرب أطنابها في جسد أنديتنا وصحافتنا وبرامجنا ومجالسنا, ما يشكل خطراً يصادر إمكانية التطوير والتحديث, فهيهات أن يأتي تطوير في ظل هكذا وسط مشحون ومحتقن ومتوتر وعلى أهبة الاستعداد للانفجار لأتفه الأسباب, وكل هذا مرده باعتقادي غياب المشجع الواعي المدرك حقيقة للتنافس الشريف والمكتسبات المشروعة محلياً أو خارجياً.

سعدت في خضم حدث كروي كبير تمثل في وصول الهلال والشباب نصف نهائي دوري أبطال آسيا, بمتابعة ردود فعل مشرفة من نموذج أسعدني كثيراً وأعطاني الأمل بتصحيح أوضاع جماهيرنا المتعصبة المتشنجة المحتقنة, تمثل في طالب بجامعة الملك سعود – كلية العلوم الإدارية تخصص إدارة أعمال, هو المشجع الهلالي الناضج مشاري الخالدي الذي أبهرني بثقافته الرياضية وفكره المستقيم تجاه المنافسات الرياضية على المستوى المحلي أو الخارجي، عربياً أو آسيوياً أو دولياً, وأركز على نقطة الثقافة في هذا النموذج الرائع من جماهيرنا الذي نتمنى أن يشيع أمثاله في أوساطنا اليوم قبل غد, ومنطلق اتفاقي مع الخالدي هي نقطة الثقافة التي تستطيع أن تنقذ الفرد من السقوط في مهالك التعصب والإقصاء الذي أصبح سمة طاغية للأسف في مجتمعنا الرياضي السعودي, ما أحدث ردود أفعال مضادة لكل ما هو غير رياضي في المجتمع من مثقفين ومفكرين وفنانين ورجال أعمال.

عايشت متابعة هذا النموذج من جمهورنا قبل وبعد خروج فريقه المفضل من المنافسة كنموذج تحليلي من حيث لا يدري, رغم أن الخروج كان محزناً ومحبطاً إلى أبعد الحدود, غير أن الخالدي وبعقلية الطالب الجامعي المتدفق عشقاً للعلم والمعرفة والثقافة كان بحق النموذج الذي ننشده في جماهيرنا، فلم تكن ردة فعله عنيفة مدمرة أو هائجة أو متشنجة كما هي العادة من جل المشجعين هذه الأيام, إذ كانت قراءته متأنية رزينة, وبفهم متكامل لأحقية الفريق المنافس للظفر بنقاط المباراة بالرياض و بالتالي انتقاله إلى المباراة النهائية بطوكيو وأن خسارة فريقه الهلال كانت مستحقة, ولم يذهب كغيره لتحميل أطراف داخل الإطاري الهلالي أو من خارج الملعب, حينما حدد داء الخروج المرير في اللاعبين ولا أحد غيرهم, مقراً ومعترفاً بما قام به رئيس النادي الأمير عبدالرحمن بن مساعد وبقية أعضاء مجلسه, وكذا الجهازين الإداري المشرف على الفريق بقيادة سامي الجابر والجهاز الفني بقيادة البلجيكي المغادر إلى المغرب إيريك جيريتس, وهذا التحديد الدقيق من النموذج الخالدي هو عين الحقيقة ومرتكزها الفعلي, فلا التخريجات والتبريرات وإلقاء اللوم على أطراف أخرى ستعيد للفريق ما خسره على أرض الملعب.

وأنا أتلقى ردود فعل الخالدي كنموذج لمشجعينا كنت أضعه تحت مشرط التحليل وأرصد كل عبارة ومفردة كي أستقي منها استنتاجاً أو معلومة أو تصوراً يمكنني أن أضع منه رؤية لواقع المشجع السعودي مع ناديه في المنافسات الخارجية على وجه التحديد فكان النموذج مبهراً ومقنعاً لدرجة دفعتني المحصلة معه إلى القول إن وسطنا الرياضي بإمكانه أن ينصلح على صعيد التشجيع وانتقاله من واقعه المزري إلى واقع أجمل وأجدى لفرقنا ومنافساتنا ومن ثم يسهم في الارتقاء بمستوى الحضور في ملاعبنا وأنديتنا وينعكس على مخرجات الأقلام الصحفية الرياضية في بلادنا.