افتقرت للمصداقية ردود الأفعال التي أعقبت إعدام المملكة العربية السعودية في الثاني من يناير الجاري عددا من الإرهابيين الذين هددوا أمن المملكة من المنتمين لتنظيم القاعدة، وحفنة لا تتعدى أصابع اليد الواحدة من مثيري الفتنة وثيقي الصلة بالدولة الإيرانية، لاسيما أنها تجاهلت الوضع الجيوسياسي لهذه المنطقة من العالم.

ومثلما أوضحت الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي والعديد من الهيئات الأخرى في العالم العربي فإن السعودية استندت في ذلك على حقها في الدفاع عن نفسها ضد الأنشطة الإرهابية ومحاولات إثارة الفتن الموجهة من الخارج. وبالإضافة إلى التهديد الإرهابي الذي تواجهه المملكة منذ عدة سنوات، فشأنها في ذلك شأن العديد من جيرانها من دول الخليج العربي (البحرين، الكويت، الإمارات العربية المتحدة) تعاني من العمليات الرامية إلى زعزعة الاستقرار التي يدبرها النظام الإيراني عن طريق عملائه الذين يتسللون داخل الأقلية الشيعية.

ومنذ قيام الثورة الإيرانية في 1979، تنتهج جمهورية الملالي واقعياً سياسة عدوانية وتوسعية ضد العالم العربي وتهدد بذلك السلم والأمن في المنطقة.

وقد تزايد هذا التهديد منذ أن مارست إيران نوعا من الوصاية على النظام العراقي الذي فرضته الولايات المتحدة عقب الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين في 2003 ودعمها للنظام السوري الحالي علاوة على وجود "ميليشيا" إيرانية مسلحة ممثلة في "حزب الله في لبنان الذي يعد دولة داخل الدولة.

وفي هذا السياق، نتفهم ما تبديه السعودية -وغيرها من الدول العربية الأخرى– من تيقظ وحذر، خاصة فيما يتعلق بأمنها وضربها بيد من حديد كل الأفراد والجماعات المثيرة للفتن التي تعمل لحساب "طهران" التي تتبنى فعلياً حرباً عربية إيرانية شرعت فيها عقب سقوط شاه إيران، مستغلة حالة المنافسة بين الشيعة والسنة، التي هي في حقيقتها عداء بين الفرس والعرب. وفي هذا الإطار أيضا، أعلنت السعودية في الثالث من يناير الجاري قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران متهمة إياها بـ"تكوين خلايا إرهابية لزعزعة استقرار المملكة". أما مملكة البحرين، التي تعاني هي الأخرى تهديداً من قبل مثيري فتن تابعين لإيران فأغلقت سفارتها في العاصمة "طهران".

ومنذ ذلك الحين، لا نستطيع أن نحدد أسباب ضبابية الرؤية لدى هؤلاء الذين لا يكفون عن توجيه اللوم للسعودية في الغرب غاضين الطرف عن تصرفات الدولة الإيرانية التي تعتبر دولة مثيرة للقلق في المنطقة، وبوجه خاص بسبب برنامجها النووي الذي ترفض التخلي عنه. ولكي نوضح الأمر أكثر، فإن الدولة الخطرة التي يمكن أن نصفها بالمارقة هي "إيران آيات الله"؛ الدولة الإجرامية بامتياز!

وإذا كان المعارضون لعقوبة الإعدام يعبرون المرة تلو المرة عن أسفهم لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عن السعودية ضد الإرهابيين لكنهم يظلون صامتين عن القصف الأميركي والفرنسي وغيره الذي يستهدف القضاء على إرهابيين آخرين وأيضا بشكل مشروع. ومما يثير الدهشة أننا لم نقرأ أو نسمع تعليقا حول انتهاكات حقوق الإنسان التي لا حصر لها في إيران والأنظمة المرتبطة بها في بغداد أو دمشق. كما أننا كذلك لم نقرأ أو نسمع تعليقات حول الوضع الذي يمكن أن تكون عليه حقوق الإنسان في الرياض من أشخاص يكيلون بمكيالين كي يتأقلموا مع الممارسات الإجرامية للنظام الإيراني.

وعلينا أن نذكّر من عندهم ذاكرة قاصرة بأن إيران ووفقا للأمم المتحدة ومنظمات دولية هي إحدى الدول التي تمارس الإعدام بشكل أكبر وضد معتقلين سياسيين بعدد كبير. وقد أوضح تقرير الأمم المتحدة الصادر في أكتوبر 2014 أنه قد تم تنفيذ عمليات إعدام تبلغ 852 خلال فترة تزيد قليلا عن عام واحد. وبذا تضرب رقما قياسيا هو الأكبر في العالم في نسبة عمليات الإعدام مقارنة بعدد السكان.

وقد أفادت منظمة العفو الدولية -في 23 من يوليو 2015- أن السلطات الإيرانية أعدمت 694 شخصا في الفترة من 1 من يناير إلى 15 يوليو 2015، في إطار زيادة غير مسبوقة في عدد حالات الإعدام في البلاد". وبالإضافة إلى المهربين والمجرمين، تطول هذه الإعدامات أشخاصًا آخرين بتهمة الزنا الذي يكيف على أنه "اغتصاب" فضلا عن عدد من الجواسيس (حسب زعمهم) وعلى الأخص المعارضين السياسيين وأبناء الأقليات العرقية والدينية الذين يتهمون بما يسمونه "أعداء الله" أو "المفسدون في الأرض"، وتشمل هذه القائمة أيضا عددا من المسجونين الأكراد ومن أتباع المذهب السني وآخرين من أبناء الأقليات العربية من منطقة خوزستان "عربستان" مثل الشاعر هاشم شعباني في مارس 2014. كما ذكر أحمد شهيد -مقرر الأمم المتحدة الخاص بإيران- في 27 من أكتوبر 2014 أنه تم إعدام أحد الأشخاص بتهمة تمويل منظمة أجنبية -وفق رواية البعض-! أضف إلى هذا كله عشرات الضحايا من النساء. كما أن هناك عدة آلاف من المعتقلين من المفترض أنهم في عداد المحكوم عليهم بالإعدام بإيران.

ولم يكف طواغيت إيران عن هذه الممارسات، مثلهم مثل نظرائهم العراقيين الذين استمرؤوا إعدام معارضيهم من "البعثيين" (أو الذين يعتبرونهم كذلك)، ومن السنة بل وحتى بعض الشيعة الذين يرفضون المشاركة في اللعبة الإيرانية، مثل الشاعر العراقي أحمد النعيمي الذي تم إعدامه شنقا في أواخر 2015 لأنه كتب قصيدة عنوانها "نحن شعب لا يستحي".

ومن الملاحظ أن عدد حالات الإعدام والتعذيب والاعتقال التعسفي في ازدياد دائم منذ انتخاب (المعتدل المزعوم) حسن روحاني. ولا دهشة في ذلك متى أخذنا في الاعتبار أن روحاني هو أحد أدوات النظام الاستبدادي الذي وضع أساسه الخميني عام 1979. والحالة هذه، فإنه -ووفق ما صرحت به المعارضة الإيرانية- قد تم تصفية 120000 معارض سياسي من قبل النظام الإيراني، من بينهم 30000 تمت تصفيتهم في صيف 1988 فقط! وذلك بموجب قرار من الخميني!! ومازال المسؤولون عن (المذبحة).. يشغلون مناصب رئيسية في حكومة روحاني! علما أن حسن روحاني قد شغل منصب نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في النظام الإيراني، وعضو المجلس الأعلى للدفاع، وعضو في المجلس المركزي للوجستيات الحرب، وقد كان وهو يشغل كل هذه المناصب على علم تام بهذه الجرائم".

كل هذا يدعو إلى التأمل حول بوادر "الانفتاح" الذي يدعيه النظام الإيراني على صعيد علاقاته الدولية.