هنالك شخصيات تبدع في الكلام، شغلها الشاغل هو أن تأخذ المنصة أي كان نوعها لكي تمارس علينا الأستاذية بكل أنواع ومجالات المعرفة. جميل جدا بل رائع إن كان ما تقدمه مفيدا للمجتمع من ناحية التوعية ومعالجة القضايا من عدة زوايا ورؤى. ولكن إن طلبت منهم المشاركة ومزيدا من الإضاءة خارج أضواء المسرح؛ بمعنى ما استراتيجيات وأدوات التنفيذ، وهل هم على استعداد كي يكونوا القادة والقدوة؟ يكون نصيبك الاختزال أو التهرب إن لم يكن التجاهل! في حين إن اقتربت شخصية مهمة ممن يعتبر نفسه أيقونة العلم والمعرفة، قد تكون هناك إجابة ولكن في منحنى آخر غير المطلوب، يستخدم فيها الإبهار للتشويش!

تجلس بجانب إحداهن في وقت الاستراحة وتشعر بالسعادة أنه حالفك الحظ واستطعت أن تلتقط بعض الوقت وأنت إلى جانبها، لكي تستفيد من علمها وفكرها وتسأل عن آليات التنفيذ لما طرح، ولكن هيهات! تحاول بكل الطرق كي تخرج ولو شيئا مما لديها ولكن عبثا، كل ما قد تجود به عليك كلمات ليس فقط على قدر السؤال بل أقل بكثير مما كنت تتوقع! هنا تسأل نفسك هل أخطأت العنوان، هل جالست شخصا آخر؟ تقع حينها في حيرة، خاصة أنك تعلم أن هذه الشخصية المشهورة إعلاميا تعتبر كنزا من المعلومات! ولكنك لم تخطئ، فما إن يعود الجميع إلى قاعة المؤتمر أو ورشة العمل، وتُسلّم هذه الشخصية الميكرفون حتى تبدأ بالتغريد دون توقف حتى يُطلب منها أن تتوقف لاستخدامها الوقت المتاح لها ولغيرها! المهم أن الأيقونة تحدثت ودوت القاعة بالتصفيق!

كل ما تسمعه نظريات وفرضيات أو احتجاجات وتذمر، حسنا لهم الحق في ذلك، فقد ذُكر ما يجول ويؤرق الجمهور من القضايا التي تهمه، ثم يُضاف "كان يجب، وأصبح يجب، وبات يجب"! وهذا مفيد أيضا، ولكن ماذا بعد يجب وأخواتها؟ لا شيء! إذاً، على ماذا كان التصفيق؟! على إعادة صياغة ما كنا نعرفه ونشتكي منه!

جميل أن يكون لدينا من يقدم لنا العلم والمعرفة، لكن الأجمل من يدلنا على كيفية استخدام كل ذلك، أن يكون القدوة إن لم يكن القائد. يرسم لنا استراتيجيات سهلة القراءة، بمفردات واضحة قريبة من السواد الأعظم من المواطنين وليست بمفردات معقدة قابلة للتأويل والتغيير حسب الحاجة، وذلك تحسبا للمراوغة والتنصل فيما بعد! استراتيجيات قابلة للتنفيذ والمتابعة وتحت رقابة شفافة ومحايدة، بأدوات محاسبة عن كل تقصير، وخطط بديلة عن كل تحدٍّ قد يواجه التنفيذ.

الكلام "ببلاش" لكن الفعل هو صاحب التأثير الأكبر. تستطيع أن تُنَظّر من الآن إلى أن يتجمد البحر، هل المطلوب منا أن ننتظر؟! هل يعتقدون بأن السواد الأعظم من المواطنين ليس راغبا في العمل؟ إنهم على أتم الاستعداد، كل ما ينقصهم الفرص والطرق التي تسهل عليهم ذلك. فهم ليسوا بحاجة إلى منظرين، هم بحاجة إلى من ينزل للساحة ويمهد لهم الطريق.

لمن يتحدث عن التطوع وفوائده، هل عبرت المجتمعات المحلية الضيقة وجرّبت حملة مليونية للتدريب المجاني على مستوى الوطن، بدءا من تدريب المدربين لنقل المعرفة، كل حسب اختصاصه، حاسب، زراعة، خلق ذاتي لفرص العمل، تنمية مهارات، نجارة، بناء مشروعات صغيرة.. إلخ، والمستفيدون نقلوا ذلك إلى من حولهم، ووضع حد للمشروع سنة ومن ثم احتفل بتدريب مليون متدرب؟

لمن يتحدث عن حقوق المرأة والطفل، هل تخطى مرحلة التوعية والإعلان إلى مرحلة التنفيذ من خلال التواصل مع وزارتي التعليم والشؤون الاجتماعية، وطرح برنامج توعوي يكون قوامه مجموعة متطوعة من المختصين من المؤسسات التعليمية والقانونية والاجتماعية، بحيث تنزل الفرق إلى المدارس والمؤسسات للتوعية والتثقيف، ووضع حد لها بتغطية المناطق مع نهاية العام الدراسي؟

لمن يتحدث عن البطالة وهو يملك رأسمالاً يسمح بالمساهمة، وهم كثر وفي جميع المجالات، فمنهم من جمع الأموال من محاضرات، أو أشرطة أو برامج تلفزيونية أو دورات تدريبية أو كتب، أو مشافٍ أو مدارس خاصة أو منتجعات سياحية أو أدوات تقنية أو كهربائية أو سيارات أو بنوك...الخ.، لكن من شجع ومن استمع ومن اشترى ومن حضر ودفع؟ أليس السواد الأعظم من المواطنين! بالمقابل ماذا قدمتم؟ هل شيدت المصانع وعملتم على تأهيل اليد العاملة المحلية؟ هل فتحتم المدارس برسوم رمزية؟ هل شيدتم أسواقا بحيث يكون العاملون فيها أصحاب أسهم ليكون حافزا أكبر لهم على الجهد والإبداع في تطوير العمل؟

ولمن قلبه ينفطر على آلام المجتمع، هل شيدت المشافي برسوم رمزية لذوي الدخل المحدود والفقراء، أو على الأقل هل تم تحديد أيام لهم؟ هل تم تحديد صيدليات بأسعار رمزية؟ هل تم تجهيز أسطول من المستوصفات المجانية المتنقلة للمناطق الفقيرة أو النائية؟ هل تم توفير أسطول من المكتبات المتنقلة لتغطية الحارات؟ هل تم تأسيس مجمعات غذائية تبيع بسعر التكلفة؟

جميع ما ذكرت يمكن الصرف عليه من خلال تأسيس وقف خيري ملازم لكل مشروع، على شكل سوق تجاري أو ما شابه. الأفكار كثيرة ولكن على ما يبدو الأعذار أكثر!

نعم نستطيع أن نُنظّر إلى أن يتجمد البحر، وسيدوي التصفيق عاليا، وستستمر مسرحيات ما يطلبه الجمهور، ولكن إلى متى؟ يقول المثل الأميركي: "Walk the talk" بمعنى فعّل كلامك، لقد شبعنا من المنظرين نحن بحاجة لمن ينزل إلى الساحة وينفذ!