القرار الذي اتخذته مصر بشأن أكثر من 200 قناة دينية بالإغلاق وعدم السماح لها بالبث من المدينة الإعلامية أو عبر النايلسات هو في حقيقته ضربة موجعة لقناة "الهشك بشك" الدينية، والتي أصبحت تشوه سماحة الدين بالبكاء والدموع والصراخ، والقصص المختلقة من أجل ترهيب الناس لا ترغيبهم. أصبحت تجارة الدين أسهل من تجارة المقاولات، وكل داعية أصبح يحاول جمع جمهور أكثر من خلال الفذلكة الدينية. يكاد البعض يجزم أن ملاك هذه القنوات الدينية لا علاقة لهم بالمجال الدعوي، ولكنهم وجدوها أسهل الطرق للثراء، ويساعدهم في ذلك تسليم المسلمين عقولهم لكل ملتحٍ يجيبه عمّا يصح ولا يصح، وهل يجوز لعب الكرة أم السلام على الكفار، أو حتى أسئلة تفصيلية فيما يخص المرأة. وإذا كان المسلمون لا يجيدون القراءة والبحث عما يهمهم، فإنه من الطبيعي أن يتكاثر المتصدرون للفتوى في العالم العربي ويصبحوا منافسين للاعبي الكرة وعارضات الأزياء في الشهرة وتهافت الصحافة عليهم.

القرار المصري حتى وإن كان متأخراً، إلا أنه في حقيقته موجع للمتاجرين بالدين، وهذه القنوات لا يمكن أن يقول أحد إنها تعود بالفائدة الدينية لأنه لا يعقل أن يكون هناك أشخاص لديهم الطاقة لاستغفال الناس 24 ساعة سوى المهرجين فقط. وهم فقط الفئة التي يشعلون فتيل التطرف والفتن الطائفية، ويسكبون فتاوى التحريم بشكل يومي. السرورية يهاجمون الإخوان، والحركيون يشنعون على مخالفيهم ويحرضون ضد التنمية والتقدم، وبين هذا وذاك سقطت 200 قناة ولعل البقية في الطريق. لا يوجد أحد ضد الحرية الإعلامية وتقبل الرأي والرأي الآخر، لكن لا يمكن أن يقبل أحد أن يتغذى أفراد أسرته على التكفير والتطرف والتحريض، أو على تشويه المفاهيم الدينية الأساسية التي تربى عليها مبتسماً، ليفاجأ بحشد فضائي يبكي بسبب أو بدون سبب، وبعد البرنامج يكون الباكي ضد ضحك تاركاً المشاهد في حيرة وألم على ذنب لم يرتكبه بسبب أكذوبة سمعها. خطوة مباركة يا مصر.