مثلما أن الإنسان لا يستطيع أن يبقى طفلا بصفة دائمة، فإنه لا يستطيع أن يبقى جميلا أو نبيلا ودودا أو رائعا كل وقته.
هذا على سبيل المثال ربما يكون سببا قويا في حادثة حارس الأمن الذي دفع، وبكل قوته وغضبه، رجلا مسنا على الأرض، بعد أن صرخ في وجهه خلال وقوفه أمام البنك، بحيث أسقط عليه كل غضبه في موقف لا إنساني.
ليس من تبرير هنا للاعتداء على الآخر أو إسقاط الغضب عليه، إنما هي قراءة للحالة، لإنسان يختنق، ولم يكن اختناقه وغضبه وليد اللحظة التي حدث فيها العنف الجسدي أو اللفظي، والذي ألحق الضرر بالغير، بل هو تراكمات سابقة يوما بعد يوم، حلت في النفس المضطربة وظهرت حين وجدت متنفسا، وعلى هذه الطريقة المرعبة.
علينا حين نذكر وحشية حارس الأمن المعتدي، أن نتذكر دائرة حياته التي تضيق بشكل مؤسف، وقد تنتهي بواقعه غضبا وعنفا.
إنه ليس أكثر من "إنسان يختنق" أو "مواطن لا يكف عن الركض"، ليس هناك متسع ليبقى إنسانا بما يجب أو ينبغي أن يكون الإنسان، فهو خليط من آلة تعمل وبعض إنسان.
مواطن يعمل لواقعه بكل متطلبات يومياته وحياته التي تسير باتجاه واحد، وبدقة تكاد تكون مدهشة في طريق واحد، هو أحد طرق الواقع الذي لا مفر منه، ومما يزيد انغلاق أفق هذا المدعو "إنسان"، أن دائرة حياته تضيق به ليختنق أكثر.
ربما تكون النفس بلغت مبلغا من الغضب وهذا ليس إلا نموذجاً لآلاف حراس الأمن الذين يعملون في مثل هذه الظروف التي حتما تمس النفس البشرية في أعمق رغباتها وحاجتها، وهو "المال".
هذا "المال" هو ما يعمل لأجله ساعات طويلة أمام بوابة بنك تدار فيه عمليات مالية بالملايين، ويتوافد عليه يوميا عملاء بالمئات يحملون الأموال الوفيرة معهم أو يتداولونها أو يودعونها، ووحده يأخذ فتاتا بالكاد يفي بمتطلبات يومه.
ربما تكون الحاجة قاهرة لكثير من هذه النماذج، بحيث يمضي معظم نهاره في العمل من أجل لقمة العيش، ولكنها تكون قاهرة أكثر حين تكون مقابل راتب أقل من أن يكون كافيا، خاصة حين يُظهره واقع الحال في العمل كحارس بنك يتقاضى ما هو أقل بكثير من أن يتناسب مع يومياته وساعات عمله التي يقضيها في حراسة الملايين.