تفاجئ السعودية العالم من حولها بقراراتها الحازمة الجريئة، وتعلن على طريقتها إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الجديد التي عبثت بها أطراف عدة، من ضمنها إيران الدولة الحقودة الطامحة إلى الاستحواذ على القسم الأكبر، والتنفذ فيه لمحاصرة السعودية –لاحقاً- إكمالاً لمشروع الهلالين الشيعيين شمالاً وجنوباً، والموقف السعودي على حق -في رأيي- وأكثر مشروعية كردة فعل للدفاع عن النفس والمكتسبات، في ظل حربها على جبهات متعددة ومختلفة الشكل والطريقة، واستعار النيران (المقصود) من جهات عدة، لامست الجسد السعودي عسكرياً من الجنوب.
السعودية حالياً بعد اختلاط الأوراق في المنطقة، تمثل طوق نجاة لكثير من الدول العربية من الخليج إلى المحيط، واحتفاظها بدور الريادة والمبادرة هو المخرج الكبير لتلك الدول العربية، إذ إنها تشكل بتحالفها مع مصر (المخزن البشري) قوة إقليمية لا يُستهان بها على الإطلاق.
وهذا في الواقع رسالة عربية قوية ومهمة تقدمها السعودية إلى العالم، لتقول نحن العرب ما زلنا هنا، ونستطيع أن نفعل أيضاً، وتقدم رسالة صريحة وواضحة لدول بعينها كإيران على وجه التحديد، الدولة المذهبية المغلقة.
فإيران تتحرك من منطلقات عقدة الانتقام التاريخية، وتستخدم المذهب كخدعة يقبل بها العقل الإسلامي من الطرفين للأسف، وهي الخدعة السياسية القديمة الجديدة، التي ظلت الأنظمة السياسية تلعب بها كورقة رابحة لقيادة القطعان الأممية، وتحقق من خلالها أهدافها وأطماعها، لكنني أظنها ستخسر مرة أخرى ويعيد التاريخ نفسه.
وإيران على الرغم من معرفتها بالمعاهدات الدولية وأنظمتها، إلا أنها تكشف دائماً عن فكر دولة فاشلة همجية، تحاكي في ممارساتها وأعمالها عقلية العصابات والمليشيات الشوارعية.
إذ تعلم هذه الدولة جيداً أن أرض كل سفارة في العالم تُعد سياسياً أرضاً خاصة بالدولة التي تتبعها، وأي اعتداء عليها يُعتبر اعتداء مباشراً على الدولة التي تتبعها تلك السفارة، لكنها في سبيل الانتقام -ولا شيء غير ذلك- تعبر عن كراهيتها بتدخلها السافر في شؤون الدول الأخرى، ويحدث على النقيض أن تحمي دولة سفارة الذين أحرقوا سفارتها لديهم بكل ثقة والتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية، وهذا في الواقع يدل على حجم القدرات السياسية الواثقة لدى القيادة السعودية.
حدثت تلك التصرفات الإيرانية الرعناء تجاه السفارة السعودية لديها، على خلفية قرار تنفيذ حكم الإعدام على مجموعة من الإرهابيين بلغ عددهم 47 إرهابياً، كان من بينهم المدعو نمر النمر، الذي ينتمي إلى الطائفة الشيعية بشرق السعودية، وهذا في الواقع شأن سعودي داخلي محض، لا يجوز أن تتدخل فيه إيران سوى على المستوى الدبلوماسي إذا سمحت بذلك الحكومة السعودية فقط.
إلا أن إيران كانت قد استبقت سماحها للجماهير المحروسة من حرس (الباسيج)، باقتحام وحرق السفارة السعودية بطهران، بإطلاقها تهديدات مذهبية أكثر منها سياسية، غرضها زعزعة الأمن السعودي كما فعلت مع بقية الدول العربية، فأين الاستقلالية التي تنادي بها، ما لم تكن النوايا مُبيتة؟ وأين رفعها شعارات الدول المستقلة سياسيا وأمنيا وعسكريا؟!
إيران هنا تلعب بالنار تماماً، لأن السعودية مختلفة جداً عن بقية دول الطوق الذي ابتلعته بسهولة، بعد أن تمكنت من خلخلته تماماً، فالسعودية من أقوى إن لم تكن أقوى معاقل السياسة والقوة العربية وأكثرها تماسكاً وعنفواناً في الوقت الراهن، وقطع كامل العلاقات الدبلوماسية مع إيران التي خسرت بعد ذلك علاقات دول أخرى، هو إنذار يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار من قبل السياسة الإيرانية الرعناء قبل فوات الأوان.
منظر آخر أتخيله وأنا أكتب، ماذا لو حدث ذلك في إسرائيل، هل يا تُرى ستهب إيران لحرق المصالح الإسرائيلية في الدول التي تقع تحت سيطرتها على الأقل؟
الجواب أظنه قد تبادر إلى أذهانكم حتى قبل أن أكمل هذا السطر، فإيران أصغر من أن تفعلها صدقوني، وإسرائيل ليست عدواً حقيقياً لإيران على أية حال، فاللعبة واللاعبون باتوا على الطاولة منذ عقود.