تهور النظام الإيراني بشكل غير مسبوق، وسخّر كل جهوده وآلته الإعلامية للدفاع عن الإرهاب والإرهابيين.
انطلقت شرارة الغضب الإيراني مع إعلان المملكة عن بدء عمليات عاصفة الحزم لبتر يد إيران "الحوثية" من خاصرة الجزيرة العربية، ثم ارتفعت حالة الغضب مع إعلان تشكيل التحالف العسكري الإسلامي.
رأت طهران أن الخطر يحيط بها من كل جانب، وأن الأدوات التي ظلت تستخدمها طوال العقود الثلاثة الماضية ستذوب وتتلاشى، وبالتالي تخسر أهم أركان بقاء نظامها الرجعي الذي يتنفس الإرهاب، وبفقدانه لهذا الأكسجين يتحول إلى جثة هامدة. وارتفعت وتيرة الصراخ الإيراني، بعد أن قامت المملكة بتنفيذ أحكام الإعدام بحق 47 إرهابيا، من أبرزهم فارس آل شويل، ونمر باقر النمر.
هذا الغضب الإيراني بسبب اتخاذ الرياض خطوات حثيثة لاجتثاث الإرهاب، قادها للتدخل في الشأن الداخلي السعودي، وانبرت للدفاع عن الإرهابيين، ووصفهم بالنشطاء السياسيين والحقوقيين السلميين، وتجاهلت تلطخ أيدي هؤلاء المجرمين بدماء بريئة ومعصومة في جميع أنحاء المملكة.
خرجت التصريحات الإيرانية الغاضبة، وكانت جميعها تدخلا سافرا في الشأن الداخلي السعودي، فالإرهابيون يحملون الجنسية السعودية، وجرائمهم نفذت في الداخل السعودي، والمحاكمات أخذت مسارها الشرعي والقانوني داخل أروقة المحاكم السعودية، وتنفيذ حكم الشرع بحق الإرهابيين حدث في مختلف مناطق المملكة أيضا، فما شأن إيران بهذا كله؟
أرادت إيران أن تنتقم من السعودية بسبب محاربتها الإرهاب وقطع دابر الفتنة في البلاد، فوجهت ميليشيات الباسيج إلى مقار البعثة الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، وصدرت الأوامر من رأس الهرم الذي يقود هذه الميليشيات باقتحام السفارة والقنصلية.
انسحبت قوات الأمن الإيرانية من الموقع، وتجاهلت النداءات التي أطلقتها السفارة السعودية لحماية مقار البعثات، فالأوامر قد صدرت مبكرا وحان وقت التنفيذ.
مشهد متكرر في إيران ما بعد الثورة، فقد شهد العالم احتلال السفارة الأميركية في طهران عام 1979، ثم إحراق السفارة السعودية هناك عام 1987، والاعتداء على أعضاء البعثة، مما أدى إلى استشهاد أحد الدبلوماسيين السعوديين وجرح آخرين، من بينهم نساء وأطفال منسوبي البعثة.
بعد ذلك بثلاثة وعشرين عاما، يتكرر المشهد ذاته، ولكن مسرح الجريمة هذه المرة كان السفارة الفرنسية في 2010، وبعد ذلك بعام واحد يتم احتلال السفارة البريطانية من الأشخاص ذاتهم، وتنفيذا للتوجيهات من رموز العصابة ذاتها.
لقد بلغ السيل الزبى، وانتهكت إيران كل المواثيق والمعاهدات الدولية، وظل العالم الغربي صامتا تجاه انتهاك إيران هذه الاتفاقيات، من بينها اتفاقية فيينا عام 1961، والتي تؤكد أن مباني البعثات الدبلوماسية تتمتع بالحرمة، ويحظر المساس بها أو الاعتداء عليها.
لقد أصبحت طهران تتصرف بعقلية الميليشيا المسيطرة على القرار السياسي في البلاد، منذ أكثر من ستة وثلاثين عاما، كيف لا وقد أوصل الخامنئي أحد أهم المنفذين لاقتحام السفارة الأميركية إلى أعلى منصب سياسي في البلد، عندما اختار محمود أحمدي نجاد رئيسا للجمهورية، وتتفاخر طهران بأنه كان قد انتهك المواثيق واقتحم السفارة الأميركية.
العالم أجمع شاهد كيف تم اقتحام السفارة السعودية في طهران أمام أعين رجال الأمن، دون أن يحركوا ساكنا، وتم نهب ممتلكات السفارة ومحتوياتها قبل إضرام النار في جزء من المبنى.
حاولت إيران بعد إدراك جدية الموقف السعودي وإعلان الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران، التحايل على العالم عبر تصريحات خجولة تدين هذه الجريمة، وأنها ستلاحق المتسببين في ذلك قانونيا، بل وزعمت أنها قبضت على بعضهم، وكل ذلك مجرد محاولة لذر الرماد في العيون.
فالمشهد متكرر، والمبررات ذاتها متكررة، وأصبحت أسطوانة مشروخة لا يمكن تصديقها أو القبول بها، ثم اتخذ النظام خطوة أخرى خلال تقديم اعتذار للأمم المتحدة، وهذا في حد ذاته اعتراف ضمني بتورطه في عدم اتخاذ التدابير اللازمة لحماية البعثات الدبلوماسية، وللمملكة الاستناد إلى ذلك في إجراءاتها القانونية القادمة ضد إيران دوليا.
لقد كانت إيران تشهد حالة من العزلة الدولية، وكانت دول الجوار العربي تتعاطف مع الشعب الإيراني، بل إن بعضها ربما خرق العقوبات المفروضة على إيران، من أجل مساعدة الشعب الإيراني، وبعد الاتفاق النووي توقعت أنها ستخرج من هذه العزلة، فتصرفت بعنجهية كبيرة، وكأن احتمالية انفتاحها على العالم الغربي بعد تطبيق الاتفاق النووي سيبسط يدها في المنطقة كيف تشاء، وستتحول دول الجوار تلقائيا تبعا أو هامشا، لتتصرف طهران كيفما تشاء دون أي خطورة في ذلك.
أما اليوم، فقد أصبحت إيران أكثر عزلة من السابق، وفي مرمى الغضب العربي والإسلامي جراء تصرفاتها اللامسؤولة، وتم محاصرتها دبلوماسيا وقانونيا وسياسيا، وسيتم فتح كل الملفات القديمة والجديدة، وبالتالي ستعاني كثيرا جراء سلوكها الهمجي ضد البعثات الدبلوماسية، ودعمها للإرهاب، وتدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وكلما زاد النظام الإيراني صلفا وتهورا كلما تم تضييق الدائرة عليه أكثر وأكثر، وسيتم تقليم أظافره في المنطقة، وحينها سيواجه الاستحقاقات الداخلية، وسيقول الشعب الإيراني آنذاك: "بيدي لا بيد عمرو".