الأسطوانة المملة التي نسمعها حين الحديث عن الأخطاء الطبية، هي أن الولايات المتحدة الأميركية لديها نسبة أخطاء هائلة.. وأن ما لدينا في السعودية من أخطاء لا يقارن ـ مجرد مقارنة ـ بما هو موجود في هذا البلد!
سنبلع هذه الحكاية مع عدم منطقيتها لعدة أسباب.. أولها عدد السكان.. فالمقارنة تتجاهل مسألة النسبة.. بمعنى: لا يمكن لك الحديث عن التناسب وأنت تتجاهل النسبة!
النقطة الأخرى ثقافة الشكوى.. الشعوب المتقدمة لا تتنازل عن حقوقها بسهولة.. قرأنا قبل أيام ـ في سياق مختلف ـ عن المواطن الأمريكي الذي تقدم بشكوى ضد مطعم وضع كمية من "الشطة الحارة" في طبق طفلة.. بعض المطاعم لدينا تبيع وجبات بالصراصير وأخرى يتسمم زبائنها، ولا تجد من يشكوها ولا يجد المواطن أي تعويض!
بعيدا عن الاستطراد، اليوم في بلادنا تتفاقم كثير من الحالات الصحية دون أن يتحرك المواطن أو يحرّك أي شكوى.. إما يقينا منه أن الشكوى سيتم حفظها وبالتالي ليس ثمة داع للشكوى من الأصل.. أو أنه سينفق الكثير من ماله وجهده ووقته وسيستغرق الأمر سنوات حتى يتم البت في شكواه.. أو أن قيمة ونوعية العقاب ستزيد من مأساته، بمعنى: لن يحصل على حقه الطبيعي! ـ ولذلك يحجم الكثير من الناس عن الشكوى، ولو فعلوا لوصلت أرتال الشكاوى إلى كوكب المريخ!
قبل يومين قرأت في "الرياض" أن امرأة أميركية حصلت على تعويض بقيمة 11.5 مليون دولار بعدما خسرت جنينها وجزءاً من أمعائها الدقيقة بسبب الإهمال الذي تعرضت له في أحد المستشفيات هناك..
لو أن هذه المرأة كانت سعودية وتقدمت بشكوى ضد وزارة الصحة كم كان قيمة التعويض الذي ستحصل عليه؟!
دققوا في المبلغ الذي حصلت عليه المواطنة الأميركية ـ 43 مليون ريال ـ إنه الفرق في قيمة البشر!