مصطلح "الهوية في ضوء العولمة" في مأزق كبير في أيامنا هذه، فمنا من يدافع عنه، ومنا من يطالب بتعويمه، نظرا لأنه أداة من أدوات الإقصاء من وجهة نظر هؤلاء، فهل نحن على علم بتعريف المصطلح؟ وهل ندافع عنه؟ ثم من هم الدعاة لتعويمه على مستوى الفكر العالمي؟!
ما دعاني إلى الكتابة عن هذا الأمر هو ما شاهدته في إحدى القنوات الفضائية، حيث ضم أحد البرامج نساء من ليبيا والكويت وتونس، يتحدثن عن "الهوية". حيث اتضح لي تباين الرؤية لهذا المصطلح تبعا لتباين السن، فالعنصر الشاب، هو من يتذمر من هذا المفهوم في ضوء العولمة.
لا شك أن مفهوم "الهوية" يعد من أعقد المصطلحات التي يتعرض لها الباحثون، فهو مصطلح فلسفي يخلط كثيرون بينه وبين "القومية"، فلهذين المصطلحين دورهما في تشكيل المجتمع الذي يتكون من مجموعات تحيا بتلقائية وتشكل فيما بينها قانونا أخلاقيا واجتماعيا يتمثل في مجموعة العادات والتقاليد والأعراف. وحسب التعريفات العلمية "القومية صلة اجتماعية عاطفية تنشأ من الاشتراك في الوطن والجنس واللغة والمنافع، وقد تنتهي بالتضامن والتعاون إلى الوحدة"، وهذه الصلة العاطفية والاجتماعية إنما تزداد قوة وإيمانا وتماسكا وترابطا في الوطن الواحد، وهو ما يجعل هذا التماسك والترابط كالشخصية الواحدة التي لا تتجزأ أو ما نسميها بالشخصية القومية، وفي تعبير آخر "الشخصية القومية هي مجموع السمات والدوافع المشتركة وأنماط السلوك الظاهرة والمستترة المحكومة بالقيم والمعايير الاجتماعية التي يشترك فيها معظم -إن لم يكن كل- الأفراد المؤلفين لمجتمع ما".
فالقومية هي علاقة تجمع بين صفات وخصال مجموعة من الأفراد داخل مجتمع واحد له ظروف اجتماعية وثقافية واحدة، أو بين المجتمع والمجتمعات المجاورة له، وتجمع عناصر متشابهة ولا تعنى بجوهر الأشياء، فالعلاقة هنا خارجية لأنها -أي القومية- تصلح مثلا في مجتمع متعدد الأديان وتتوافر فيه حرية العقيدة. ولأن الدين الإسلامي واحد لا يتجزأ فقد كان اختيار لفظ "الهوية " للتعبير عن المجتمع السعودي -على سبيل المثال- دون غيره من البلاد العربية.
ذلك أن الهوية في تعريفها الفلسفي المجرد الشامل هي: "مبدأ يعبر عن ضرورة منطقية تقضي بأن يكون كل معنى يتصور على أنه عين ذاته فلا يتغير الحال، وما هو صادق دائما وفي مختلف الأحوال والموجود هو ذاته دائما لا يختلط به غيره، ويلتبس به ما ليس منه ويسمى بمبدأ وحدة الذات".
فالهوية تعبر عن أصل الشيء الذي لا يتغير والصادق دائما والموجود دون أي اختلاط به: وهي الـ"هو. هو" التي تعني ثبات الشيء بالرغم مما يطرأ عليه من تغييرات، فالجوهر (هو. هو) أو هو نفسه وإن تغيرت أعراضه".
ومن المعروف أن الداعين إلى محو الهوية هي المنظمات الدولية الحقوقية مثل المعهد الديمقراطي الأميركي أو هيومن رايتس. فهل نتخلى عنها أو هل يعاد تعريف المفهوم كما يدعو إليه كثير من دعاة العولمة والأنسنة؟!