(وحيد القرن الأسود)، حيوان مهدد بالانقراض، تكمن مأساته في كون الصيادين يرغبونه بشدة بسبب الربح الذي يوفره لهم بيع قرنه في السوق السوداء. كما أن هناك ما يزيد الأمر سوءا وهو أن ثمن القرن يزداد مع نقص عدد أفراد هذا الحيوان وفق قاعدة العرض والطلب، كما أن هذا النوع من السوق غير قابل لتصحيح نفسه، إذ إن انتظار تكاثر الحيوان من جديد ليتوفر المقدار المنشود من قرونه قد يقتضي الانتظار إلى عقود طويلة، وهو ما لا يحبذه الصيادون الجشعون في العادة.
إذن فقد أصبح قرن هذا الحيوان سببا في نكبته، ولم تعد فائدة هذا القرن، كأداة زودته بها الطبيعة ليدافع بها عن نفسه من الحيوانات المفترسة، تساوي شيئا أمام ما يتعرض له بسبب قرنه من صيد جائر. هذا ما دفع بعض حماة البيئة لصيد تلك الحيوانات ثم إعادتها إلى الحياة البرية من جديد بعد بتر قرونها، لعلهم بذلك يقضون على دافع الصيادين لاقتناصها.
للأسف لم ينجح هذا الحلّ تماما، فقد عمد الصيادون في بعض الحالات لقتل حيوانات مبتورة القرن كي لا يضطروا لإضاعة الوقت في مطاردتها من جديد، إضافة إلى كسبهم المال لقاء إزالتهم وبيعهم للجزء المتبقي من القرن بعد بتره.
يتحدث علماء الاقتصاد عما يسمى (فخ الموارد)، وهو الوضع الذي تجد فيه دولة ما نفسها إزاء وفرة في بعض الموارد الطبيعية مع مؤسسات إدارية سيئة. إذ إن ما ينتج عن هذا في الغالب مزيد من الفقر وانخفاض في مستوى المعيشة يفوق الحال التي تكون عليها الدولة مع غياب ذلك النوع من الموارد الطبيعية. فدولة الكونغو مثلا من أغنى الدول بالمعادن، بل إنها تحتوي على أغلب مخزون العالم من (الكولتان)، وهو المعدن الذي لا يمكن الاستغناء عنه في صناعة أجهزة الهاتف الجوال. ولكن هذا لم يسهم في تحسين المستوى الاقتصادي للبلاد، بل ما حدث هو العكس، فوفرة هذا المورد استمرت كمحفز لطول أمد الحروب الداخلية بين الميليشيات المتنافسة على السلطة. يضطر الزعيم السياسي في أي بلد صناعي لكسب رضا الأغلبية، لأنه يحتاج إلى الجميع في إنتاج السلع التي تعود على البلاد بالثروة، في حين أن مثل هذا النوع من الرضا لا يحتاجه القادة عندما تكون الثروة التي ينشدونها مقابلاً لهبة طبيعية لا دور لأحد من السكان في إنتاجها. هم غالبا ما يتصورون أن عددا قليلا من الرجال بأسلحة جيدة نسبيا ومنفذ آمن لتصدير السلعة أمور كافية لتحقيقها، ولعل هذا ما يفسر العجز التام الذي أصاب عراق ما بعد الاحتلال بعد تدمير مؤسساته بشكل كامل.
قد تشكل مفارقة (فخ الموارد) قصة مأساوية مشابهة في بعض جوانبها لقصة (وحيد القرن الأسود)، فالبلدان ثرية الموارد إذا كانت بمؤسسات ذات أداء ضعيف سقطت ضحية لجشع الصيادين هي الأخرى. مثل هذا لا يحدث في العادة عند وجود بيئة مؤسسية جيدة في الدولة، فلو نظرنا إلى النرويج التي تنعم بأربعة موارد طبيعية رئيسية هي النفط والغاز وغابات الأخشاب والمناطق الرعوية، سنرى الانعكاس الواضح لهذه الموارد على رفاهية المجتمع النرويجي بفضل جودة مؤسساتها الإدارية، كما سنرى حصانتها التي أتاحت لها الاستغناء عن الاندماج في الاتحاد الأوروبي.
تحضر فكرة الاعتماد على الموارد الطبيعية أيضا في قضايا الانفصال الإقليمي في بقاع عدة من العالم، كما تمكننا تلك القضايا من ملاحظة تباين الشعوب من حيث وعيهم بمفارقة (فخ الموارد). عند النظر مثلا لقضية انفصال الإسكتلنديين عن المملكة المتحدة فسوف نرى أن السبب الرئيس في تراجعهم عن الانفصال علمهم أن المورد الذي ستعتمد عليه إسكتلندا عند انفصالها -نفط الشمال- مورد طبيعي وليس صناعيا أو زراعيا، وأن هذا لن يضاهي الفوائد الاقتصادية للبقاء ضمن الوحدة. هذا بخلاف حالة (كتالونيا) التي ما زالت تصر على الانفصال عن إسبانيا، ودافعها في ذلك أنها تمتلك شبكة إنتاج اقتصادي غير ريعي تحقق بشكل منفرد خمس إنتاج إسبانيا.
مثل هذا الوعي بالأبعاد الاقتصادية لدى الشعوب الغربية المتقدمة قل أن نرى نظيرا له في أغلب شعوب العالم الثالث عند تعاطيها مع أمثال هذه القضايا، فدولة مثل (جنوب السودان) على سبيل المثال لن تجني الكثير من انفصالها، رغم كل ما تحويه من موارد طبيعية، وهذا لعدم توفر الجناح الأهم في العملية الاقتصادية وهو المؤسسات الإدارية الممتنعة من الفساد والاختطاف.