من حق أي أحد المعارضة، لكن قبل المعارضة يجب أن يكون هناك مستوى من الطرح يتوازى مع حكومات الظل التي تراعي المصالح العليا لوطنها وهي في المعارضة، فالمعارضة المراهقة المجانية، هي تلك التي تصطاد وتتصيد ولا تريد أن يتحرك أحد بشكل إيجابي، بل وتمارس بخبث تخذيل الناس عن الفعل الاجتماعي الحقيقي الذي يثبت للمراقب النضج الشعبي لأي استحقاق قادم ينتظره (المواطنون) الذين تجاوزوا تخريجات فقهاء (الراعي والرعية)، تلك التخريجات التي تختزل الإصلاحات الحقيقية بشأن الوطن والمواطن إلى معايير الرعية الشعبوية والتي تهتم بالرفاه المزيف كورم قديم ينجب لنا ظواهر (غسل اليدين بدهن العود، والأرز مع اللحم ملقى بعد الضيافة كأكوام الرمل) مع جهل تام بحقوق المواطن وفق المعايير العالمية للدولة الحديثة.
المواطن الجديد يريد معايير الرفاه العملي المثمر القادر على تخريج وإنتاج كادر وطني يخلق مزاجاً شعبياً يعي مرحلته التاريخية التي تستلزم منه مطالبات تختلف عن مطالبات العقول (الريعية) بين الراعي والرعية، إلى مطالب (الحقوق والواجبات) لمواطنين يعطون ما عليهم من واجبات المواطنة، ليأخذوا ما لهم من حقوقها، كشريك حقيقي في معاني (الغنم والغرم).
هذا المشوار الذي يريد كل عاقل التوجه له، بدلاً من البكاء على الحليب المسكوب، أو التباكي على الورم الريعي الذي عاشوه لعقود، وتوهموه عافية، يستلزم مساءلة أنفسنا أولاً لنستطيع مساءلة الآخرين عن بعض ما نلاحظه من تعاميم تتجه لصناعة أرضية ديمقراطية للمشاركة الشعبية، عبر المجالس البلدية ومؤسسات المجتمع المدني وغيرها، التي تدعم التوجهات القادمة، لكننا نتفاجأ بالمثبطين الذين لا يريدون العمل، ويتذمرون من نتائج كسلهم التي ينسبونها للوطن ظلماً وزوراً.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، تذمر الكثير من الانتخابات البلدية، بدعوى أن مجلس الشورى أولى بالانتخاب من المجلس البلدي -وهذا كمبدأ صحيح- ويبالغ البعض في التذمر لينسب ضعف الإقبال إلى توجهات الدولة (غير المكتوبة كما يزعم)، رغم أنها من فتح المجال أصلاً لانتخاب المجالس البلدية ثم توسعت لتحل مشكلة (الجندر) مع تقديم الدعم اللازم، بالإضافة إلى توجيهاتها القديمة في إدخال ثقافة الانتخابات إلى مدارس أبنائهم وبناتهم، لكنه التذمر الذي يتكئ على لعبة (رفع سقف المطالب) دون الرغبة أو الحماس لصنع أرضية معقولة من الوعي العام المستعد لهذه المطالب، ولو في مدارس أبنائهم وبناتهم، ومجالس بلدياتهم، فكأنما هي مناكفة يستمرئها البعض كنوع من الموقف المجاني البليد ضد وطنه.
والسؤال الذي يطرح مثالاً لبعض التوجهات الخفية للإبقاء على حالة التذمر هو: لماذا لم يتم التفاعل مع التعميم الخاص بالانتخابات الطلابية في المدارس بنين وبنات، كما كانت تتفاعل المدارس قديماً مع (المراكز الصيفية) وأنشطتها ومخيماتها التي تجوب المملكة من شرقها إلى غربها؟ مع نشاط مواز لما يسمى (المعلمة الداعية) كبدعة أخرى من بقايا الصحوة والمنهج الخفي في مدارس البنات، فكل (معلمة) هي قدوة وصاحبة رسالة بمجرد حمل أمانة (التعليم) دون صناعة مزايدات داخل الهيكل التعليمي نفسه ككوميديا سوداء ما بين (معلمة سادة ومعلمة داعية!؟) أعود فأقول: لماذا لو صدر التوجيه لأصحاب المنهج الخفي بعودة مخيماتهم سيعود النشاط في أقل من أسابيع وبحماس منقطع النظير، بينما التعميم الخاص بالانتخابات الطلابية يسير التفاعل معه على خجل من المدارس؟ وبشكل بيروقراطي بارد لرفع العتب، وأحياناً بشروط لم تقترحها الوزارة بقدر ما يقترحها الحركيون لتثبيط الطلاب عن المشاركة عبر شروط حركية تشبه شروط دخول المراكز الصيفية والمخيمات.
لماذا لا يتحمس المعلمون والمعلمات لوجود حركة انتخابات داخل مدارسهم وفق تعليمات وزارتهم وأبطالها الطلاب والطالبات؟ لتتحول إلى ثقافة اجتماعية عامة، والتي تنقل الطلاب ومن ورائهم أسرهم، من زمن المخيمات والمراكز الصيفية في أناشيدها المتطرفة بألحانها التي يرددها أبو القعقاع ليعبئ بها النشء عبر (خندقي قبري وقبري خندقي) إلى زمن الانتخابات والمسؤولية المشتركة، وليعود الاحتفال بيومهم الوطني ودولتهم الحديثة عبر موسيقى الموسيقار سراج عمر في السلام الملكي من كلمات الشاعر إبراهيم خفاجي (سارعي للمجد والعلياء، مجّدي لخالق السماء) دون تعبئة خفية بأن سماع الموسيقى معصية يقترفها السياسي في الحفلات الرسمية لأنه أقل ديناً منهم، مع تجهيل الطلاب والطالبات بمسألة تعدد الآراء الفقهية حول الغناء وغيره ليعيش الشبيبة بعقل أحادي متعصب، بعيداً عن معطيات الاعتدال الفقهي وقبول الرأي والرأي الآخر.