الأغنية الريفية  تشويه كبير للأحاسيس وطغيان البكائيات وشعر أقل فضلا عن مباشرتها التي لا تليق بفكرة الفن نتجت عن انعدامات المخيلة وضآلة روحها التي أوجبتها محدودية المكان التي وفرتها الأودية وضفاف الأنهار ورقرقات الجداول المنسابة بدعة سكونية، فضلا عن أن باعثاتها كانت حاجات تقنية مكملة للنشاط الجسدي بهدف شحذه لإنجاز ما يجب إنجازه من أعمال حقلية. كما أنها في الأساس نابعة من أصوات وأرواح كبار السن التي تنحو باتجاه الوصايا والحكم والعظات الحياتية المملة والمكررة بأعطيات المواسم، على عكس أغنية السواحل التي عادة ما تكون مليئة بالبهجات والفرح، أهم الموسيقيين كانوا نتاجا للسواحل والموانئ ورحلات السفر، فالأغنية صديقة البحر الأزلية فيها صخب وتقلبات أمواجه ومفاجآته الكثر وأناسه الغرباء، على عكس الشعر الذي هو منتج صحراوي خالص. الصحراء مبنى الفراغ الهائل وكون الوحدة اللانهائي، لذا كانت الحاجة ماسة لملئه بالخيال وعمرانه بالتهيؤات، ومن هنا كان الشعر الذي شكله البدو وأنتجوه بكثافة لتعويض وحدتهم الخانقة. الشعر لا يحتاج سوى مخيلة وروح، بينما الموسيقي تحتاج أكثر. لم ينتج البدو موسيقى لأنها تحتاج استقرارا وتراكما، والبدو لحظيون انفعاليون لديهم خيارات الرحيل الواسعة، كما أن علاقتهم بالليل حدية يطغى عليها الخوف لا الألفة، في حين أن الريفيين بلا ليل صامتون كالأشجار وصبورون كحصاد الحقول، في الوقت عينه السواحليون يدركون أن الموسيقى هي ابنة السهر وصديقة الظلمة والقمر وهم سماره الأثيرون.