نحن بحول الله قادرون على تجاوز الزيادة التي نالت أسعار النفط والكهرباء والماء، وهي لن تحدث فرقا شاسعا في حياتنا إذا طبقنا إجراءات معينة، لكن الخوف كل الخوف من تعامل التجار مع الاحتياجات الأساسية للمواطنين كالطعام والعلاج والملبس والتعليم.. إلخ، الخوف أن تزيد فواتيرنا من حيث لا نحتسب، فالقطاع الخاص لا يتعامل معنا بشفافية فهو قد يرفع الأسعار دون إعلام المواطن وقد يتحايل بعضهم فيعرض صنفا معينا بنفس السعر المعتاد مع تقليل الكمية، والمواطن والمقيم يشتريانه دون علمهما بهذا التغير. نحن نخشى من بعض الصناع والتجار الذين يعمدون لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه لتعويض تكلفتهم التشغيلية للكهرباء والنفط والماء، وذلك ليضمن أن تجارته لن تتأثر بالأسعار الجديدة.
إن المواطن يدفع إيجار بيته الذي قد يرتفع بشكل مبالغ فيه، ومن المتوقع أن تزيد مصاريف أسرته من تعليم وصحة وملبس ومأكل، فبعض التجار لا ينظرون إلى المواطن وقدرته المالية بقدر اهتمامهم باستقطاب كافة موارده. بل قد يحسدونه على عدم زيادة فاتورته للكهرباء لكونه من الفئة التي لم تشملها هذه الزيادة بشكل مباشر.
ومن هنا علينا كمواطنين التعامل مع المؤسسات التجارية التي لم ترتدع وزادت في أسعارها بشكل يضر بالأساسيات التي تلامس حياة المواطن، برفع أمرها لوزارة التجارة أو للقضاء، ومقاطعتها، وهي ثقافة تردع هذه الشركات التجارية عن ممارساتها الاستفزازية.
ومن جانب آخر هناك اقتراحات أتمنى أن يجد بعضها طريقه للتنفيذ:
• على المجتمع المدني والمتخصصين المساهمة في تثقيف المجتمع بكيفية ترشيد الاستهلاك بشكل دوري من خلال إعداد وعرض برامج تثقيفية، وأطالب وزارة الإعلام إنتاج دعايات تلفزيونية تثقيفية وإعلانات تعلق على الطرقات كحملة توعوية تثقيفية لترشيد الاستهلاك.
• زيادة مخصصات وزارة التجارة لتتمكن من توظيف عدد قادر على مراقبة الأسواق ومتابعة الشكاوى المواطنين والمقيمين على السواء، وفتح العديد من القنوات تكون مؤهلة وقادرة على استقبال تلك الشكاوى ورفعها للجهات ذات صلة، مع امتلاك الإمكانيات للنظر فيها وإصدار قرارات تتناسب مع كل ظرف كل حالة.
• من المهم عدم تهاون الغرف التجارية في المملكة على اختلاف فروعها في توعية التجار بواجبهم تجاه هذه البلاد، حكومة وشعبا، بل وتوعيتهم بالعقوبات التي تنتظر المخالفين للأنظمة المستغلين لاحتياجات المواطن الأساسية.
• المؤسسات الحكومية عليها سن قوانين رادعة تلزم الموظفين عدم التهاون في استخدام الطاقة وإغلاق الأجهزة الكهربائية فور الانتهاء من استعمالها.
• على وزارة الشؤون البلدية والقروية العناية بإقفال إنارة الطرقات التي تبقى -صيفا- مضاءة في بعض المناطق إلى السابعة صباحا، فكثيرا ما أشعر بالاستهجان عندما أشاهد الإنارة الكهربائية على الطرقات مضاءة إلى هذا الوقت بل إلى أبعد من ذلك.
• أما إلغاء شركة الطيران السعودية تخفيض تذاكر الطلاب فمن وجه نظري قرار يحتاج لمراجعة أو على الأقل إعادة الدراسة، فتخفيض الأسعار للطلاب عرف عالمي ليس لشركات الطيران فقط بل للمواصلات العامة من حافلات وقطارات وطيران وأيضا للأدوات الإلكترونية والمكتبية..إلخ، فإلغاؤها أمر يناقض ما هو متعارف عليه عالميا، ففي حين كنا ننتظر من وزارة التجارة فرض تخفيضات للطلاب على الكثير من الشركات والمتاجر الخدمية أجد شركة الطيران السعودية تلغى هذا التخفيض، وإن كان لا بد من إجراء في هذا الشأن فليكن القرار إنقاص نسبة هذا التخفيض لا إلغائه.
ربما استغرب بعضنا من هذه التغيرات في ميزانية البلاد لهذا العام، ولكنه المتوقع في ظل التحديات الاقتصادية والعسكرية والأمنية التي نمر بها. وعليه فتلك الإجراءات المشار إليها ضرورة لا اختيار. داعية الله أن تكون نهاية أوضاعنا الاقتصادية تشابه النهاية الناجحة للسياسة الاقتصادية التي اعتمدها النبي يوسف عليه السلام، والتي أشار إليها د. فهد السلطان في مقال له نشر في جريدة الجزيرة، فقد بين أنه بالإمكان استنباط دروس عملية من خطة يوسف عليه السلام لأهل مصر، خاصة في ظل تشابه الاقتصادين السعودي والمصري آنذاك من حيث أحادية المصدر الاقتصادي، فمصر آنذاك كانت تعتمد وبشكل أساسي على الزراعة، خاصة زراعة الشعير والذرة، ونحن نعتمد -بعد الله- بشكل أساسي على النفط، وبالتالي وجههم يوسف عليه السلام إلى ترشيد الاستهلاك تحسبا للسنين السبع العجاف. وهكذا تمكنت خطة يوسف عليه السلام بعد الله سبحانه من حماية الحياة الإنسانية في مصر ومن حولها خلال سنوات عجاف.
وأخيرا يجدر بنا شكر وزير الدولة وعضو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية معالي الأستاذ محمد آل الشيخ الذي تحدث عبر قناة الإخبارية عما بذله ويبذله المجلس في سبيل مواجهة التحديات الاقتصادية، جهود هادفة كما أعلن إلى رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، وهو ما اقتضى استمرار اجتماعات الأعضاء إلى أكثر من 12 ساعة، إلى حد أن وجه رئيس المجلس صاحب السمو الأمير محمد بن سلمان بسبب الحاجة لتأدية الأعضاء صلاة الفجر في مقر المجلس! فجزاهم الله عنا خيرا وبارك في جهودهم وسدد خطاهم للخير والفلاح.