في ذات حوار، توصلنا أنا ومحاورتي إلى أن المجتمعات التي تتوغل فيها الموسيقى إلى عمق النفس البشرية، إلى حد التذوق والانتقاء، من الصغير قبل الكبير، المجتمعات التي تتنفس الموسيقى وتشربها كالقهوة صباحا مع فيروز، وكالشاي مساء مع أم كلثوم؛ هذه المجتمعات تحديدا لا يمكن أن تكون مؤذية. إنسان هذا المجتمع هو إنسان مسالم مُحب، يبحث عن مواطن الجمال حتى في أصغر تفاصيل الحياة التي لا تلفت انتباه كثيرين!
ثم سألتني محاورتي عما يسمى "شيلة" وانتشارها الواسع! في رأيي أن مجتمعا يعاني تصحرا عاطفيا على كافة المستويات، يجب أن يكون سعيدا بوجود مخرج أو ثقب ليتنفس منه، ويخرج خلاله عاطفته التي لن يغفر له المجتمع لو كان هذا الثقب "معازف" فكان البديل "الشيلات"، ولا يلام الناس في هذا، فالكل يبحث عن الرخصة التي تسمح لهم بممارسة "آدميتهم" دون أن يتعرضوا للإقصاء بسبب تجاوزهم العرف المجتمعي، وحين ظهرت مقاطع ما يسمى "الهياط" تكون غالبا ملازمة لشيلة ما. يحيلنا هذا إلى السؤال الأزلي: من جاء أولا الدجاجة أم البيضة؟ من السبب في وجود الآخر؟ من أوجد من؟
هل الشيلات هي من أوجدت الهياط أو "الفخر بالماديات والقبيلة ونحوها" وعززته في الفكر الجمعي؟ أم أن الهياط أوجد لنا الشيلات حتى تتكلم بلسانه، وتعبر عنه؟
هنا رابط عجيب يجعلنا في مواجهة مع فكر الخيمة، والنعرات القبلية، فكر "أنا وأخوية على ولد عمي وأنا وولد عمي على الغريب"، الفكر الذي يعزز احتقار الآخر والشعور بالأفضلية والامتياز كوني أنتمي إلى قبيلة لم يكن لي أدنى علاقة في اختيارها!
في زمن نحن في حاجة ملحة وماسة وشديدة إلى إذابة جميع الفوارق بين الناس، في حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى تقبل المختلف لاحترامه، والاعتراف به.
قبل أشهر قليلة، نُظمت دورة لتعلم الموسيقى في جمعية الثقافة والفنون في الرياض، وهي فعالية كانت الموسيقى عنوانها، في محاولات لإصلاح ما تم إفساده في داخل الإنسان السعودي الذي أحاطوه بالمحرمات من كل اتجاه، ودعاة الموت يصرخون به: أن هلُم إلينا، لا تخرج عن حظيرتنا، بعد زمان كان الإنسان فيه إنسانا، فرحهم غناء حزنهم غناء، وكانت حفلات "المفتاحة" امتدادا لثقافة الفرح والألوان التي عرفتها تلك المناطق في الجنوب منذ القدم، قبل أن تتوقف مواسم الفرح، وتُهجر مواطن الجمال.
الموسيقى حياة أينما حلت، وأينما هجرت فثم الموت.
قالت محاورتي: ليت ما راح يرجع. قلت لها: إلا ليت ما بقي يسلم.
ثم سألتني محاورتي عما يسمى "شيلة" وانتشارها الواسع! في رأيي أن مجتمعا يعاني تصحرا عاطفيا على كافة المستويات، يجب أن يكون سعيدا بوجود مخرج أو ثقب ليتنفس منه، ويخرج خلاله عاطفته التي لن يغفر له المجتمع لو كان هذا الثقب "معازف" فكان البديل "الشيلات"، ولا يلام الناس في هذا، فالكل يبحث عن الرخصة التي تسمح لهم بممارسة "آدميتهم" دون أن يتعرضوا للإقصاء بسبب تجاوزهم العرف المجتمعي، وحين ظهرت مقاطع ما يسمى "الهياط" تكون غالبا ملازمة لشيلة ما. يحيلنا هذا إلى السؤال الأزلي: من جاء أولا الدجاجة أم البيضة؟ من السبب في وجود الآخر؟ من أوجد من؟
هل الشيلات هي من أوجدت الهياط أو "الفخر بالماديات والقبيلة ونحوها" وعززته في الفكر الجمعي؟ أم أن الهياط أوجد لنا الشيلات حتى تتكلم بلسانه، وتعبر عنه؟
هنا رابط عجيب يجعلنا في مواجهة مع فكر الخيمة، والنعرات القبلية، فكر "أنا وأخوية على ولد عمي وأنا وولد عمي على الغريب"، الفكر الذي يعزز احتقار الآخر والشعور بالأفضلية والامتياز كوني أنتمي إلى قبيلة لم يكن لي أدنى علاقة في اختيارها!
في زمن نحن في حاجة ملحة وماسة وشديدة إلى إذابة جميع الفوارق بين الناس، في حاجة ملحة أكثر من أي وقت مضى إلى تقبل المختلف لاحترامه، والاعتراف به.
قبل أشهر قليلة، نُظمت دورة لتعلم الموسيقى في جمعية الثقافة والفنون في الرياض، وهي فعالية كانت الموسيقى عنوانها، في محاولات لإصلاح ما تم إفساده في داخل الإنسان السعودي الذي أحاطوه بالمحرمات من كل اتجاه، ودعاة الموت يصرخون به: أن هلُم إلينا، لا تخرج عن حظيرتنا، بعد زمان كان الإنسان فيه إنسانا، فرحهم غناء حزنهم غناء، وكانت حفلات "المفتاحة" امتدادا لثقافة الفرح والألوان التي عرفتها تلك المناطق في الجنوب منذ القدم، قبل أن تتوقف مواسم الفرح، وتُهجر مواطن الجمال.
الموسيقى حياة أينما حلت، وأينما هجرت فثم الموت.
قالت محاورتي: ليت ما راح يرجع. قلت لها: إلا ليت ما بقي يسلم.