تابعت مجالس الناس بعد صدور الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1437 – 1438، والرسائل المتناقلة عبر الإعلام الجديد، فوجدت أحاديث الناس في غالبها اجتهادية لا تستند إلى دليل إلا من المتخصصين في المجال الاقتصادي، وهم قلة بالنسبة إلى عدد السكان في المملكة.

ونحن اليوم عندما نتحدث عن الميزانية، لا بد لنا أن نرجع إلى تاريخ أول ميزانية رسمية للدولة قبل 85 عاما، عندما أُقرت بـ14 مليون ريال، ثم ننظر التتابع الذي حدث بعد ذلك عبر السنوات الطويلة، واهتمام الدولة برفاهية المواطنين على مدى تولى ملوك هذه البلاد، رحمهم الله، جميعا حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، أيده الله، وكلماتهم وحرصهم على المواطن في كل مساحة من هذه البلاد، والقفزات التي وصلت إلى المليارات، بحمد الله، دون أي إخفاق إلا ما يعتري غيرنا من دورة الحياة الاقتصادية، فتأتي سبع سمان وسبع عجاف، وهذا أمر طبيعي في حياتنا على مر العصور.

وفعلا، عندما نُدير مؤشر المراقبة على السواحل والجبال والهضاب، نجد تنمية تعجز عنها الأمم، ولكم أن تقارنوا بلادنا بما حولنا وبما سبقتنا بالتعليم والاقتصاد والتنمية، كيف حالها اليوم، وكيف حال وطننا اليوم، بحمد الله.

وأنا أكتب هذا المقال، أزعجني هذا التأفف عن ملامح معينة في الميزانية، لم يَرْق بعض المواطنين إلى فهمها، وهي نقطة التحول في الترشيد وإعادة صياغة المصروفات التي تعلمناها في الأسرة قبل كيان الدولة، فكيف عندما أردنا تطبيقها لمصلحة مؤقته يدركها العقلاء، بسبب ما حدث من هبوط أسعار النفط ومؤشرات خارجية في الاقتصاد العالمي، والإنفاق على الحرب مع الحوثيين، وكلها عوامل يجب إدراكها.

واليقين أن المصلحة العليا تقتضي كل أمر يحقق الاستقرار لهذه الدولة. وقد مرت ميزانية الدولة في بداية الثمانينات الميلادية بحالة هبوط أسعار النفط، وجاء ترشيد في ذلك الوقت، وتعامل معه العقلاء والمواطنون بكل أريحية، حتى تجاوزتها هذه البلاد، بفضل الله، ثم إنني تابعت أيضا في مجالس الناس وأحاديث المجتمع تلك الإشاعات التي رافقت إعلان الميزانية، ووجدت أن هناك تيارا من جيل الشباب، هداهم الله، قد يقعون في فخ المغرضين والمندسين في أوساط الناس، ومع الأسف هدفهم الإرباك والتشكيك في الولاء لهذه الدولة وقادتها، ولم يعلم أولئك وغيرهم أن هذه البلاد محروسة، بإذن الله، مهما حاول الأعداء وصيادو التواصل الاجتماعي العبث بأفكار الشباب.

لم يعلم هؤلاء أن هذا الوطن قوي لا تؤثر فيه عوامل أسعار البترول أو غيرها، ولا يتأثر بحقد عابر لا ينظر إليه إلا من زاوية الكراهية للنجاحات التي تسير فيها هذه الدولة وقادتها وأبناؤها المخلصون. كما أن هذا الفكر الذي يستغل المطبات، سيكون منبوذا عندما أقرت الحقائق في هذه الميزانية، وثبات المشاريع ودعمها، والاستمرار في عجلة التنمية، رغم هبوط الأسعار إلا أن الاحتياطي والإيرادات الأخرى قادرةٌ، بإذن الله، على نجاح خطة الترشيد والتحول الوطني للمصروفات، وبناء الوطن على مدى خطة جديدة عُرفت بـ2020، قام بها وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وفريقه من الوزراء المخلصين الذين راهنوا على النجاح مهما كانت التحديات بإذن الله.

فلماذا يستعجل الناس في أحاديثهم بالحكم المبكر على الميزانية، وإعطاء تصورات بعيدة كل البعد عن الحقائق التي لا يعلمها إلا المختصون من أهل التخطيط والاقتصاد، والذي يريد معرفة أكثر عن هذه الحقائق، عليه أن يعيد قراءة بيان وزارة المالية الذي أعقب صدور مراسم الميزانية، ليتأكد أن الحديث بالأرقام، وليس بمجالس الناس.