التنظيم مطلب حضاري في جميع أعمالنا وحياتنا اليومية وعدم وجود التنظيم هو المظهر غير الحضاري والفوضوي في المجتمعات. والتنظيم من خلال النظم واللوائح هو ركن أساسي في العمل إلا أن الأهم في ذلك هو تطبيق النظم ومتابعة دقة تنفيذها ومعاقبة الخارجين عنها. وفي مجتمعات ترتفع فيها نسبة الشباب يرتفع فيها مؤشر الخروج عن النظم واللوائح لأسباب عديدة منها سن المراهقة ورعونة الشباب وحماسه، وفي بلادنا ترتفع نسب الشباب في الجيل الجديد وينطبق على العمالة الأجنبية في بلادنا ما ينطبق على شريحة الشباب حيث إن أكثر من سبعين في المئة من العمالة المستقدمة فيما دون سن الأربعين وبالتالي ترتفع نسب احتمالات مخالفة النظم واللوائح وتصبح متابعة تطبيقها أمراً ضرورياً وحتمياً، ومن أهم القطاعات التي ينبغي التشديد في تطبيق النظم فيها قطاع النقل والسير العام والخاص، ونظراً لارتفاع نسب الحوادث وارتفاع نسب الوفيات والإصابات الحادة والمعوقة فإن الدولة ممثلة في وزارة الداخلية حرصت كل الحرص على سلامة شعبها والمقيمين في المملكة وقررت تطبيق نظام ساهر لرصد بعض المخالفات المرورية والخاصة بالسرعة وتجاوز المسموح بها وهو نظام مطبق في العديد من دول العالم المتقدم ومنها سويسرا الدولة التي كنت أضرب بها المثل في احترام شعبها للتنظيم والقوانين المرورية وغيرها لدرجة أنه يندر أن تجد سيارات ورجال المرور في الشوارع والطرق السريعة حتى اكتشفت أن السبب بالإضافة إلى ثقافة أهلها والمقيمين فيها إلا أن نظام المراقبة الآلية والإلكترونية والتقنية استطاع أن يلزم الجميع بتطبيق نظم المرور في السير داخل وخارج المدن، وعلى الطرق السريعة وضعت لوحات إلكترونية تحدد السرعة في جميع أيام الأسبوع وفي ساعات اليوم وفي الإجازات الأسبوعية والرسمية وفي جميع فصول السنة وهي سرعات مختلفة تتغير أحياناً ثلاث مرات في اليوم كلها معلنة عبر الشاشات المتواجدة على الطرق السريعة. وأهم ما يميز النظام الرقابي الإلكتروني في مراقبة السير في الدول المتقدمة هو أنه نظام مرتبط بمحاكم مرورية يحق لكل من طبقت في حقه مخالفة أن يذهب إلى المحمكة المرورية ويتظلم من المخالفة وله فترة تظلم قبل أن يلزم بالدفع الفوري وقد لا يتطلب الأمر ذهابه وإنما يكتفي بتوكيل محام مختص بمخالفات المرور وهناك أعداد متخصصة من المحامين في هذا المجال. ولاسيما أن بعض المخالفات المرورية في السرعة قد يكون لها مبررات مقبولة مثل حالات الإنقاذ للمرضى والحوامل وغيرهم. والمقصود من هذا أن المواطن له الحق في التظلم من أي قرار من قرارات الدولة لو أحس بالظلم. ومع قناعتي وتأييدي الكامل لنظام ساهر وكنت من أوائل المطالبين بنظام مماثل له لأن نسب الحوادث ونسب الوفيات ارتفعت في بلادنا. ومع تقديري لبرنامج التظلمات المتواجد في نظام ساهر حالياً إلا أنه يمثل المدعَى عليه والقاضي في نفس الوقت ولهذا كنت أتمنى أن يسبق تطبيق هذا النظام إصدار نظام المحاكم المرورية المستقلة والتابعة لوزارة العدل وتأهيل وتدريب المتخصصين في مجال القضاء المروري وقد يكون من الأجدى الاستفادة من بعض كبار ضباط المرور المتقاعدين بعد تأهيلهم ليكونوا قضاه متخصصين في المحاكم المرورية أو مستشاريين للقضاء في المحاكم المرورية، ولا سيما أن فضيلة معالي الدكتور محمد عبدالكريم العيسى وزير العدل أكد أنه لا مانع من إنشاء محكمة مرورية بقرار من المجلس الأعلى للقضاء وموافقة المقام السامي. فالفكرة مطروحة لمقابلة الطلب عليها ورجال المرور بشر مثلهم مثلنا يصيبون ويخطئون، ولتحقيق العدالة أتمنى أن يحظى اقتراحي بموافقة وتأييد قيادة وزارة الداخلية.

أما طرحي الثاني فيتعلق بعوائد نظام ساهر المالية فهو نظام رقابي على أمن وسلامة المواطنين وهي مسؤولية من مسؤوليات الدولة ممثلة في وزارة الداخلية ومسؤولية تطبيقه بتكاليفها ضمن ميزانية الوزارة وحسب نظام إيرادات الدولة فإن كل رسم يفرض من قبل أي وزارة تعتبر إيراداته دخلا لميزانية الدولة. وفي بعض الدول المتقدمة والنامية تعتبر إيرادات المخالفات المرورية دخلاً للأجهزة القائمة عليها (سواء كانت أجهزة حكومية أو أجهزة خاصة تحت رقابة الأجهزة الحكومية)، وهي المكون الرئيسي لميزانياتها فتصرف منه ميزانية رواتب أفراده والجزء الآخر لتطوير الآليات والتقنيات المستخدمة. وفي المملكة لنا مثال متميز في تحويل جزء كبير من رسوم الاستقدام ونقل الكفالة وتجديد الإقامة إلى صندوق تنمية الموارد البشرية والذي استطاع أن يجمع إيرادات تجاوزت البلايين من الريالات ليعيد صرفها على تطوير الكفاءات السعودية بالتدريب والتأهيل والمساهمة في دفع جزء من رواتب السعوديين في برامج السعودة. فهل بالإمكان أن نطبق نفس التوجه في برنامج ساهر وننشئ صندوقا باسم (صندوق ساهر الإنساني) توضع فيه فوائض الدخل من برنامج ساهر بعد سداد التكلفة والأرباح العادلة للشركة القائمة بالمشروع وعلى أن يكون الصندوق تابعا لوزارة الداخلية وبرئاسة صاحب السمو الملكي وزير الداخلية أو من ينيبه وتوضع لهذا الصندوق أهداف إنسانية يصرف منه لتحقيقها مثل معالجة بعض الحوادث المرورية غير المؤمن عليها والحالات المرضية المستعصية نتيجة الحوادث المرورية أو إنشاء برامج تثقيفية لقوانين أنظمة المرور في الجامعات والمدارس وذلك بإلقاء المحاضرات أو تبني تصوير أفلام متخصصة سنوياً أو نشر الرسائل الإعلانية والإعلامية المتعلقة بأنظمة السير والمرور، أو إعداد الأبحاث العلمية والاستقصاءات الرقمية وإنشاء مراكز المعلومات المتخصصة في المجال، أو تخصيص جزء من مصاريف الصندوق لتطوير السجون الخاصة بالتوقيف المروري أو أعمال أخرى إنسانية أو خيرية. إن إنشاء مثل هذا الصندوق الإنساني من موارد برنامج ساهر سوف يكون له أثر كبير في تفعيل إيرادات البرنامج الإنساني في أهدافه أصلاً، والغرض الأساسي في برنامج ساهر هو حماية وسلامة أرواح البشر وليس تحقيق أكبر إيرادات الدولة أو أكبر أرباح للشركة القائمة على تنفيذه.

هي أفكار مكملة لهذا المشروع الإنساني المتحضر والذي تشكر عليه وزارة الداخلية لتبنيه وتطبيقه.