لماذا يضطر أي مواطن أن يلجأ للملك، في أمور هي حق له بموجب النظام؟! أنا أقول لكم، لأن النظام -باختصار- غير مطبق، وهناك في إدارات كثيرة بعض الموظفين لا يحترمون النظام، ولا يقيمون وزنا للمواطن صاحب الحق، فهل هؤلاء الموظفون جديرون بمواقعهم، بل هل هم يكرهون الدولة والقيادة، ويكيدون لها ويعملون على تأليب المواطنين عليها بحرمانهم من حقوقهم المكفولة لهم نظاما؟! لا أدري، لكن المؤشرات تقول إنهم إمّا جهلة غير أكفاء، أو مغرضون، وهم في كلا الأمرين غير جديرين بالمواطنة، فضلا عن المسؤولية التي يخونونها بوضوح!!
والمواطن لن يلجأ للملك، إلا إذا لم يجد بابا مفتوحا سوى بابه، أما المديرون والوزراء المسؤولون عنهم فمقابلتهم دونها خرط القتاد، فهم إما في اجتماعات لا تنتهي، أو حين يظفر بمقابلتهم أي أحد لا يجد سوى الإجابة الشهيرة: "ما نيب شمس شارجة!!" والمسؤول أياً كان موقعه الذي لا يستطيع أن يكون "شمسا شارقة" على جميع مسؤولياته يجب أن يبقى في بيته، ويدع المسؤولية لمن يستطيع أن يتحملها، ويصنع السبل التي تمكنه من متابعة حاجات الناس وتطبيق الأنظمة بدقة، وتنفيذ التوجيهات، وخدمة الأهداف الوطنية العليا.
الأسبوع الماضي -مثلاً- كتبت هنا عن الزميل "مصطفى إدريس"، ورويت معاناته وحالته الصحية المتردية، وقلت إنه لولا الله ثم الأمير خالد الفيصل، لكان مصطفى في عداد المأسوف عليهم، على الرغم أنه مصاب بالسرطان، لكن هذا المرض أو أخطر منه لا يشفع للمواطن بأن ينال حقه في العلاج في مستشفى متخصص إلا بتدخل أو واسطة وأمر بالعلاج، والآن معاملة مصطفى لاستكمال علاجه في أميركا أو غيره تم رفضها من "لجنة - الواسطة - الطبية بوزارة الصحة بالرياض"، ولم يتكرم موظف في وزارة الصحة، ناهيك عن الوزير أو أحد وكلائه، ويرفع سماعة الهاتف، ويقول لمصطفى: كيف الحال؟ وهل أنت سعودي؟! أم تدعي؟!
حسنا، منسوبو وزارة الصحة لا يقرؤون ولا يعلمون، لكن هل يقرؤون الأوامر الملكية، ويحترمونها أم لا!؟
خذوا هذه القصة وتأملوا، فالمواطن "عايض الخديدي"، وهو رجل مسن، وشبه أعمى، حصل في عام 2006 على أمر من الملك فهد لعلاج ابنته "الهنوف" -24 عاما- التي تحتاج إلى عملية دقيقة في العمود الفقري في ألمانيا، وذهب، وراجع، لكن الملك فهد -رحمه الله- توفي، فألغي الأمر، فسافر "الخديدي" بابنته على حسابه إلى هناك وأجرى العملية، وبقي يراجع بعدها نحو خمس مرات حتى أنفق نحو نصف مليون ريال، فعجز عن الذهاب مرة أخرى بينما ابنته ما زالت محتاجة لعمليتين دقيقتين إحداهما في الكتف، والأخرى في العمود الفقري الضاغط على النخاع الشوكي، فتقدم مرة أخرى للديوان الملكي منذ نحو 4 سنوات وحصل على أمر، وتم إرساله من قبل وزارة الصحة مع ابنته إلى ألمانيا مرة أخرى، وأعطوه 4500 ريال كمصاريف، وهي لا تكفي يومين هناك، المهم أنه بقي شهرا، وقال له الأطباء تعود ابنتك لإجراء العملية بعد 6 أشهر، وفعلاً وعندما أراد أن يعود في الموعد وجد أن الوزارة ألغت الأمر الملكي أو عطلته، وبقي يراجعها دون جدوى!! ومنذ شهرين تقدم للديوان الملكي، وحصل على أمر آخر، لكن الوزارة، ولجنتها "الطبية - بالواسطة" جمّدت الأمر، وقالت له عالجها في الداخل، وذهب إلى مستشفى النور بمكة، وهناك تم فحص الابنة "الهنوف" وصدر تقرير الاستشاري في جراحة العظام سالم باجعيفر بأنها تحتاج إلى مركز عالمي متخصص في جراحة العمود الفقري، فقام الوالد بمراسلة المستشفى الجامعي في هيدربج بألمانيا، وقبل الحالة، وطلب 95 ألف يورو "اضربها يا وزير الصحة في 5 ريالات فقط، وعلمنا بالنتيجة"، وهو مبلغ يعجز عنه المواطن الخديدي بعد أن أنفق من جيبه أكثر من 400 ألف ريال خلال مراجعاته لألمانيا طيلة عامي 2007 و2008، وإجراء العملية الأولى لابنته التي تعرضت لحادث مروري مع بعض زميلاتها، وهن في طريقهن للجامعة بالطائف، وعولجت من الرضوض والكدمات، لكن آلامها تضاعفت، وآلام العائلة كلها، فابنتهم سحبت هذا الفصل الدراسي من الجامعة رغم تفوقها لكن المرض أقوى!! فهل وزارة الصحة تدرك أن العلاج حق للمواطن، وأن عليها أن تنفذ الأوامر الملكية، إن كانت لا تحترم ذلك الحق الطبيعي بموجب النظام الأساسي للحكم؟
لا أدري هل الوزارة لا تعرف النظام أم أنها لا تحترمه، بل لا تحترم حتى الأوامر الملكية، فلمن يشكو المواطنون، سوى الله ثم "الملك سلمان"، حفظه الله، الذي أرجو أن يطلب من وزارة الصحة كل الأوامر الملكية لعلاج المواطنين التي لم تنفذها الوزارة، ويسألهم عن السبب، وليس عن النظام، فهم ماهرون في التحايل عليه، والتظاهر باحترامه وتطبيقه، وعلى كل حال فمصطفى إدريس، والهنوف الخديدي ينتظران ما يعيد الابتسامة إليهما، وهو حق لهما على وطنهما، وغيرهما كثير جدا!!