صباح الأمس، كنت بصحبة مواطن بسيط ونحن سويا نقرأ أرقام الميزانية، وللحق فقد كانت جملته الساخرة إذ يقول: نحن الذين نفك الحرف فقط تصبح لدينا مصطلحات زمنكم صعبة الهضم، ذلك أننا أبناء زمن كان به المثل السائد (انفق ما في الجيب يأتيك ما في الغيب). هنا أسئلة هذا المواطن إلى الميزانية:
أولا: ما هو العجز؟ ولمثل هذا تبدو كلمة العجز كارثة حياة يومية إذ إنه يعيشها منذ سنين سبع، وهو يعتقد أن الدولة تشبه الرجل الشاب، وكان يتمنى لو أن هناك لفظا اقتصاديا غير مفردة العجز. سؤاله الآخر: ولماذا تقترض الحكومة بينما تتحدث الأرقام التي بين أيدينا عن احتياط هائل للدولة؟ وعلى قوله باللغة الشعبية الدارجة (هذا لا يشبه إلا تركة بن سمحان) إذ مات وفي ذمته 40 ألف ريال بينما لديه في الجبل 600 شاة سارحة. السؤال الأهم من فم هذا المواطن البسيط: كم هو رقم الاحتياط وأين هو؟ وما هي الطرائق التي رفعت عائدات استثماراته في العام المقبل إلى الضعف؟ سؤال هذا المواطن البسيط الآخر يطرحه بوجل وخوف: هل ستتأثر حياتي البسيطة بهذه الأرقام المتحفظة وأنا الذي لم أشاهد أثرا لها في حياتي في زمن الطفرة؟
باختصار: لديه بقية من أسئلة غاية في الغرابة وقد لا تصح كتابتها في مقال. آخر أسئلته مثلا:
ما هي العوامل التي أدت إلى انخفاض النفط في ظرف عام من 140 دولارا إلى 40 دولارا بسعر اليوم؟ وبزعمه، فلا زال العالم هو نفسه بـ7 مليارات ساكن وبملياري سيارة على كوكب الأرض، فما الذي تغير؟ والحق أنه أشغلني بسؤاله الأخير إذ حتى أنا لم أقرأ كثيرا ولم أستمع لاقتصادي واحد يبسط لي مثل هذه المسألة ويشرح لي هذا التحول غير المستساغ، الذي جعل النفط مثل صاروخ الفضاء الأميركي ديسكفري، أو في تشبيه أدق مثل صنوه (تشالنجر) الذي صعد إلى السماء بسرعة ألفي كيلومتر في الساعة ثم تحول فجأة إلى سحابة رماد في ظرف ثانيتين.
وأختم أخيرا بالقول: إن أسئلة المواطن قد تشرح لي ماذا تعني الميزانية وماذا نريد منها كمواطنين بسطاء لا علاقة لنا بالمصطلح.