ولأن الكتابة كالتجديف داخل القارب، ولأن لكل محارب استراحة، وجبت استراحة المحارب، وكل نفس بشرية بحاجة إلى استراحة.
قد تأتي غصبا، قد تأتي عرضا، قد تأتي قسرا، أو حتى قد تأتي بردا وسلاما، لكنها آتية لا محالة.
كم من أقلام هنا وهناك، كم من متفق ومختلف، مؤيد ومعارض، شاتمٍ وقاذف، قارئ هنا، ناقد هناك، رقيب من فوق، أرض ساخنة من تحت، مطالبات أصوات، صرخات يمنة ويسرة، كلها تلوم وتعاتب وتطالب الكاتب بأن ينتبه من كذا، ويكتب في كذا، ويعقب على كذا، ويرد على ما ورد هناك، ويناقش هنا!
فوضى خلاقة لكنها مدارات الكتابة وآلامها اللذيذة لمن يحبها، ولأن لكل شيء بدايات، كذلك لكل مرحلة نهايات.
لذا، وجب ترويض النفس على تقبل الرحيل والوداع، فالدنيا كلها زائلة، ومن نحبهم يوما لا مناص من رحيلهم وتركنا وحدنا في هذه الدنيا، فهل ستتوقف الحياة؟
قطعا لا، لذا، علمتني الحياة أن أستشرف الرحيل منذ أول علاماته، فترضى نفسي وتقنع ويخف الألم: ألم الفُراق، ألم الرحيل، ألم المودة التي قد تنقطع عمن نحب، حتى لو كان كيانا وليس إنسانا!
واليوم، وبعد حوالي عامين، وأنا أنقش حبر كلماتي على أوراق "الوطن" الصحيفة.
أودعكم بالحب، وأودع كل من عاصرتهم بود. فشكرا من القلب لكل رؤساء التحرير الذين تشرفت بالكتابة تحت ظل قيادتهم السفينة، من الرُبان الأول وحتى الرُبان الأخير.
شكرا لكل من تقبل الانتقاد. شكرا لكل هاتف من مسؤول. شكرا لكل رد من جهة تجاوبت مع ما كُتب، أستودعكم الله.