أعاد الدكتور أحمد الحراحشة، موضع المرأة في الشعر الجاهلي إلى الجدل مجددا، من خلال ورقة ألقاها في الحلقة النقدية أخيرا بنادي جدة الأدبي. وقال الحراحشة، الأكاديمي في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، إن معظم الشعراء الجاهليين الذين ذكروا عددا كبيرا من النساء في قصائدهم، لم يكونوا معروفين بالعشق، ولم ينظموا قصائدهم في ميعة الصبا وشرَّة الشباب وعنفوانه، وتابع: "إن من الثابت أن بعضهم قالوا جلَّ قصائده وهو في سني المشيب المتأخرة، كالمثقب العبدي، من خلال قصيدته النونية "أفاطم قبل بينك متعيني"، قالها بعد خلافه مع عمر بن هند". إضافة إلى الحارث بن حلِّزة، الذي قال في مطولته الهمزية "آذنتنا ببينها أسماء"، بعد أن تجاوز الـ150 عاما، وكان زهير بن أبي سلمى يعيش في عقد الثمانينات عندما ذكر أمَّ أوفى، وقد وثَّق لنا ذلك شعره في مطولته. وذكر الحراحشة بأن الهدف من إعادة قراءة الشعر الجاهلي قراءة جديدة متأنية، هو لإثبات أن العقل العربي الجاهلي سليمُ البِنيَّة، عظيمُ القدرة التخييلية، يظهرُ الشاعرُ ما يريد ويبطنُ ما يريد، بعيدا عن المباشرة والسطحية، وثانيها أن ما تعلمناه، وعرفناه من نساء في مقدمات القصائد الجاهلية ليست من النساء في شيء؛ إذ هريرة ليست هريرة المعروفة، أمة بشر بن عمرو بن مرثد السوداء التي كان يتعشقها الأعشى، وعنترة لم يكن عاشقا في بني عبس، وخولة صاحبة طرفة ليست فتاة بعيدة المرواح من بني كلب، وعنيزة ابنة عم أمرئ القيس ليست كذلك، وفاطمة ورابعة وسعاد وأمّ أوفى وغيرهن من المظلومات. وأفاد الحراحشة بأن عاطفة الغزل والعشق والهوى كانت الباعث لافتتاح القصائد الجاهلية بالغزل، وأن أسماء النساء الواردة فيها ليست حقيقية، وإنما هي بمثابة مشبه به على سبيل الاستعارة التصريحية، وإلاّ كيف استطاع الشاعر الجاهلي أن يغير عواطفه في لحظات نظمه قصيدته دون أن يختلف مستوى الجودة في مقاطع القصيدة.