بعون الله، سأعدد لكم الهيئات والجهات الرقابية في المملكة وهي "هيئة الرقابة والتحقيق، ديوان المراقبة العامة، المباحث الإدارية، وهيئة مكافحة الفساد"، هذا غير اللجان المشكلة بعد كل كارثة للتحقيق، فهذه اللجان أُعلن عجزي عن إحصائها، لكن أعرف بعض نتائجها، فلجنة التحقيق التي تولت التحقيق في كارثة جدة –مثلا عام 2009، درست وحققت واتهمت، ثم أحيلت القضية إلى المحاكم، وهي مستمرة حتى يومنا هذا، أي أنها تدخل سنتها السابعة، ولاحظوا معي أن "ثورة يناير في مصر 2011 -مثلا- أسفرت عن اعتقال الرئيس المصري السابق "مبارك" وحوكم وانتهت محاكمته وأطلق سراحه هو ومعظم المتهمين معه بجرائم كبرى خطيرة، في نحو 3 سنوات، وأنا هنا لا أبرئ ولا أتهم ولا أتحدث عن ظلم أو عدل، لكني فقط أشير إلى أنه في مصر توجد قوانين وأنظمة قضائية مستمدة –معظمها- من الشريعة الإسلامية، وهي أنظمة وقوانين يعرفها منسوبو الشرطة والنائب العام، والقضاة، والمحامون، والمتهمون، ومعظم التسعين مليون مصري، ولذلك فالقضايا لا تخضع لاجتهاد أحد أو مزاجه، وتمر بمحطاتها المختلفة في ضوء "السيد القانون الواضح" فيتم إنجازها بسرعة! وعليكم المقارنة والاستنتاج!
والآن دعونا نعود، ونقول إن كل هذه الهيئات الرقابية عندنا عجزت، أو فشلت في كشف السيد الضخم "فساد"، بينما تضافرت جهود المخلوقين العظيمين "المطر، والنار" في تعرية الفساد، بل وتصرخ سنوياً أو دورياً: "ها هو المجرم فساد" فاقبضوا عليه بسرعة وحاكموه وتخلصوا منه!" لكن صرخاتهما المدويتين تذهبان أدراج رياح اللجان، ودهاليز "طوابير" السيد "فساد" الذين يذبون عن حياضه، ويدافعون عن بقائه ببسالة، وتخريجات وملفات، ومرافعات، تشلّ يد "الحق والعدالة" بسلاح الوقت، والتطويل والمماطلة، إلى أن تموت "القضية"، ويخرج السيد "فساد" منتصراً، مرفوع الرأس، مبتسماً بسخرية من "المطر، والنار"، ومن كل الحالمين بالقضاء عليه، أو الحد من خطره وتغوله على الوطن وأهله، وأمواله! كما حدث في كوارث سابقة ماتت ونسيناها، كما أتوقع أن يحدث مع كارثة "حريق مستشفى الملك فهد بجازان".
لقد قلت مراراً وتكراراً، وغيري كثيرون قالوا وكرروا، إن مشكلة وطننا الكبرى تكمن في "الإدارة" أولاً، وثانياً، وعاشراً، وحتى ألف، فالفساد "الإداري" هو أبو كل "الفسادات" التي تليه وتنتج عنه في كل وزارات التنمية، وقطاعات الخدمة الوطنية، فتقديم غير الكفء لقيادة أي مؤسسة أو شركة أو وزارة، سيفضي –حتماً- إلى فساد في كل أمورها، ابتداءً بالواو "الضخمة" للتوظيف، ومروراً بالفساد المالي، وانتهاء بالكوارث التي يصطلي بنارها الناس، مثل كارثة "حريق مستشفى جازان!" وعد واغلط كم حادثاً مشابهاً حدث، خلال السنوات العشر الأخيرة، وما لم يتم إصلاح الإدارة والأسلوب الذي بموجبه يمكن التعرف على "الأكفاء"، وهم كثر جداً في بلادنا من الجنسين، وتقديمهم إلى قيادة تلك الوزارات والقطاعات المعنية بتنمية الوطن وخدماته، فإن الصراع بين "السيد فساد" وبين "المطر، والنار" سيستمر إلى أن نصبح جميعاً من رعايا "الفساد" ومن الخدم عنده، ونضحي بالوطن كله! لنرضيه ونسمنه!
بلادنا لا تعاني شحّاً مالياً، ولا تعاني من الاستبداد، والقيادة دائماً وأبداً، ومنذ أن عرفنا أنفسنا، وهي توجه وتؤكد وتكرر أن كل شيء مسخر لخدمة الوطن والمواطن، وتنميتهما، والمليارات التي تصرف سنوياً عبر الميزانية أو غيرها من الاعتمادات المباشرة المعلنة، لو جمعناها ونشرناها ورقاً من فئة "خمسمائة ريال" لغطت سماء المملكة من الماء إلى الماء، ومن سواحل تهامة، إلى جبال أجا وسلمى، وربما شكلت طبقتين أو ثلاثاً تحجب الشمس والمطر.
نعم. تحققت في وطننا إنجازات عظيمة هائلة ضخمة وكثيرة، ولا توجد قرية صغيرة في المملكة، لم ينلها نصيب من النمو والتطور والتغيير، ومن واجبي وواجب كل مواطن أن نشيد بها، ونفاخر، ونحافظ عليها بكل ما أوتينا من قوة ووعي بأهميتها، وخطورة السماح بالتفريط فيها أو الإساءة إليها، مطلقاً، لا قولاً ولا عملاً.
ولكن بعد أن نحمد الله ونشكره ثم قيادتنا الحكيمة، ووحدتنا الوطنية العظيمة، لا بد أن نقول إن لدينا "فساداً إدارياً" هائلاً، نخاف منه ونتوجس يومياً، وشواهده ماثلة للعيان في قطاعات كثيرة معنية بخدمة المواطنين وتنمية الوطن. والذي أرجوه وغيري من المواطنين، أن تقوم قيادتنا الرائعة بغربلة القيادات الإدارية، ابتداءً من أمراء المناطق والوزراء، ثم الفروع وفروع الفروع، وفق إستراتيجية دقيقة معلنة، وأن تكون هذه الاستراتيجية "الإصلاحية" سابقة وقاعدة لبرنامج "التحول الوطني" الذي وجه الملك –حفظه الله– باعتماده وتطبيقه، ابتداءً من العام الحالي 2016 حتى 2020، ومرة أخرى أجدني مدفوعاً وبشدة، للإشارة إلى مقال الزميل "محمد الرطيان" الذي نشره في "عكاظ" يوم الخميس الماضي، فإن لم يكن مناسباً، ففقهاء الإدارة والسياسة ودهاقنتها السعوديون والسعوديات قادرون على أن يضعوا الاستراتيجية الوطنية للإصلاح الإداري التي –كما قلت– نأمل أن تسبق تطبيق خطة "التحول الوطني"، فنحن خائفون جداً جداً على وطننا من "تغول الفساد!" والله يحفظ الوطن والقيادة والشعب!