هذا العنوان كان شعار المنتدى الخامس الذي نظمته دار الاتحاد في دولة الإمارات العربية المتحدة في 20 أكتوبر 2010م، ولأهمية البحث فقد استقطبت أدمغة 52 باحثا ومفكرا من الاختصاصيين لمناقشة هذه المواضيع واقتراح الحلول والأفكار الخلاقة.

بكل أسف كان اللقاء محبطا وحزينا بعض الشيء ولا يدعو للتفاؤل، وبقدر تعاظم الشكوك وعدم الارتياح من إيران، بقدر ما كان الحاضرون مرحبين متفائلين بحضور تركيا الذي يمتد حاليا حتى أفريقيا منافسا رئيسيا للامتداد الصيني.

وبقدر ما رأى المحللون وضوح موقف إيران وإسرائيل وأمريكا بقدر تخبط الموقف العربي من أي رؤية استراتجية، فهل العرب يعيشون عصر الضباب واللامعنى والتيه وعدم الاستقرار والانفتاح على المجهول. إن أعظم ما في هذه اللقاءات تعاون الأدمغة في صياغة صورة عن الوضع مهما كان "مربادا كالكوز مجخيا".

وفي قناعتي أن ظلمات العصر العربي الحالية منشؤوها بالدرجة الأولى النقص العلمي، وسوف أسرد لكم قصة تقول لكم معنى الطمأنينة بوجود العلم، وكذلك سوف أقص لكم خبرا من بؤر النهوض العلمي. ولكن قبل هذا علينا إحاطة القارئ عن طبيعة هذا اللقاء والمحاور التي سارت عليها الأبحاث، لقد حاول جمهور الباحثين إلقاء الضوء على علاقات العرب مع خمس جبهات؛ إيران وتركيا وأفريقيا وأمريكا وإسرائيل، فأما المحور الأول فقد ناقشه رضوان السيد اللبناني وبجنبه مديرا للحوار تركي الدخيل صاحب برنامج إضاءات الذي تشرفت بحضوره مرة محاورا عن أفكاري حول السلم والعلم، وأما الأفريقي فتولى قسما منه الموريتاني ولد أباه بجانب حلمي الشعراوي المصري ذي الخبرة في الميدان الأفريقي، وأما التركي فكان من حصة وحيد عبدالمجيد المصري، وفي النهاية عرض كل من الشايجي الكويتي والبحراوي المصري العلاقة مع أمريكا في ثمانية ملفات، ومع بني صهيون في ستة سيناريوهات محتملة تمتد ما بين الانفجار والتوتر بل الحرب الإقليمية إلى مشروع السلام المتعثر. وأجمل ما في هذه اللقاءات ذلك المد المتواصل من معين المعلومات فلا يشعر الإنسان بالوقت مهما طال، وتأخذ المناقشات حيزا أكبر مما هو مخصص لها، وعلى من يدير الحوار والنقاشات أن يكون صارما في إعطاء وتوزيع حصص التعليقات والأسئلة. ولا يخلو الأمر من شيء من التحيز حسب من يدير الحوار وشعوره بأهمية البحث أو العلاقة المميزة مع أحد المعلقين، فأنا شخصيا قطع علي الكلام حين تحدثت عن السرطان الصهيوني وكان في نيتي أن اختصر البحث بعنوان الوصايا العشر في إزالة السرطان الصهيوني.

أختم كلامي بفكرتين عن علاقة العلم بالطمأنينة وهو ما افتقده المؤتمر فتركنا في حيرة. يروي ابن العميد عن الأمير أنه دعا القوم ليلة إلى عشاء وسمر، واتفق معه على ترتيب أمر يرى فيها تفاعل القوم وارتكاساتهم؛ بإلقاء قدور نحاسية ثقيلة من السطح على فناء المنزل وهكذا فبعد أن هدأ الجو وأكل القوم أطايب الطعام والشراب وبدأ السمر إذا بصوت هائل يرتفع وقرقعة أواني وقدور؛ فنهض القوم مرتاعين يريدون معرفة مصدر الصوت وسببه، ومن شدة الارتياع كاد القوم أن يطأ بعضهم بعضا وهم يتدافعون للخروج.

اثنان فقط لم يتحركا من مكانهما هما الأمير وابن العميد لمعرفتهما السابقة بما حدث، فالعلم يورث الطمأنينة!

وأما قصة الكاهن ميرين ميرسين فعجيبة عن كيفية النهوض العلمي للأمم فهذا الراهب الفرسيسكاني قام بتهيئة صومعته عام 1630م لمناقشة عويص المشاكل الفكرية والاجتماعية، في لقاء دوري مرتين في الأسبوع، وممن كان يحرص على هذا اللقاء فيلسوف التنوير رينيه ديكارت صاحب رسالته في قيادة العقل لتوليد الأحكام الصحيحة.

وكان هذا الراهب ميرسين خير من عقد شبكة محكمة من العلاقات بين العقول الأوروبية، وفي عام 1634م نشر كتابه حول المسائل الكبيرة الذي حرَّمته الكنيسة؛ وفيه أشار إلى ثلاثة مبادئ أساسية للتأسيس العلمي؛ ألا نتبع الآباء، ونتحرى الحقائق بالاختبار، وأن نصيغ النتائج على صورة معادلات رياضية محكمة الشكل.

هكذا نهضت أوروبا، فهل سيفعل منتدى الاتحاد شيئا؟ أم سيكون ديكورا للدعاية بنفقات باذخة للتسلية والمنادمة، وإقامة فنادق سبع نجوم، وموسما للسلام على وزراء وأمراء وشخصيات، ثم الانصراف طيرانا على درجة أولى لرجال الأعمال.